ما حكم العمل في الإعلام والقنوات المسموعة والمرئية؟
هل يجوز التوظف في شبكة حكومية تابعة لهيئة الإعلام؟
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3812)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
تحصلت على وظيفة في شبكة حكومية تابعة لهيئة الإعلام، وتنشر الأغاني خلال بعض قنواتها، كإذاعة الشبابية (88.8)، فما حكم العمل في هذا المكان بصفتي موظفًا؟ وما الحكم لو تقلدت منصبًا مؤثرًا؟ علما بأني راغبٌ في تقليل الشرِّ، ومنعِ بعض المفاسدِ، ونشرِ بعض المقالاتِ الإسلامية حسبَ الاستطاعة.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن الله سبحانه وتعالى حرَّمَ المعازفَ في قوله: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَّشْتَرِي لَهْوَ الْحَدِيثِ لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ وَيَتَّخِذُهَا هُزُؤًا أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُّهِينٌ﴾ [لقمان:5]، وقد سُئل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه عن الآية السابقة، فقال: “الْغِنَاءُ، وَاللهِ الَّذِي لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ، يُرَدِّدُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ” [تفسيرالقرطبي:14/52]، وقد ذمَّ النبي صلى الله عليه وسلم المعازف في قوله: (لَيَكُونَنَّ مِنْ أُمَّتِي أَقْوَامٌ يَسْتَحِلُونَ الْحِرَ وَالْحَرِيرَ وَالْخَمْرَ وَالْمَعَازِفَ…) [البخاري:5590]، وحين سئل الإمام مالك رحمه الله عن الغناء، قال: “إِنَّمَا يَفْعَلُهْ عِنْدَنَا الْفُسَّاقُ” [المدخل:3/101].
والأصل في المسلم ألَّا يعمل في مكانٍ يعلمُ أنه يشيعُ المحرمات؛ لأنّ في ذلك إعانةً على المعصيةِ، وإقرارًا للباطل، قال الله تعالى: (وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [المائدة:2]، ولا بأس بمخالفة الأصل إن كان يعلم أنه يمكنه الإصلاح.
عليه؛ فإن كنت قادرًا على الإصلاح وتقليلِ الشرّ، فيجوز لك العمل في هذه الشبكة، ما لم تكنِ الشبكة تنشرُ الأكاذيبَ والفتن بينَ الناس، وما لم يكن فيما تنشرُه إعانة للظالمين، وفي حال لم تستطعِ التغيير والتقليلَ، ننصحك بمنابر الخير وهي كثيرة، وفي غير مواطن الشُّبهِ من أبواب الرزق غُنية إن شاءَ الله تعالى، ومن تركَ شيئًا للهِ عوضَهُ الله خيرًا منه، كما أنه لا يحملك تأخر الرزق أن تطلبَهُ بمعصية الله، ولقد حذر النبي صلى الله عليه وسلم من ذلك، فقال: (لَيْسَ مِنْ عَمَلٍ يُقَرِّبُ إِلَى الْجَنَّةِ، إِلَّا قَدْ أَمَرْتُكُمْ بِهِ، وَلَا عَمَل يُقَرِّبُ إِلَى النَّارِ، إِلَّا قَدْ نَهَيْتُكُمْ عَنْهُ، لَا يَسْتَبْطِئَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ رِزْقَهُ فإنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَلْقَى فِي رَوْعِي أَنَّ أَحَدًا مِنْكُمْ لَنْ يَخْرُجَ مِنَ الدُّنْيَا حَتَّى يَسْتَكْمِلَ رِزْقَهُ، فَاتَّقُوا اللَّهَ أَيُّهَا النَّاسُ، وَأَجْمِلُوا فِي الطَّلَبِ، فَإِنِ اسْتَبْطَأَ أَحَدٌ مِنْكُمْ رِزْقَهُ، فَلَا يَطْلُبْهُ بِمَعْصِيَةِ اللَّهِ، فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُنَالُ فَضْلُهُ بِمَعْصِيَةٍ”[مستدرك الحاكم:2136]، والغناء بالمعازف وإن كان منكرًا، فإنّ بعض هذه القنوات بها من المنكر ما هو أعظم وأشدُّ حرمةً مِن المعازف، وهو تضليلُ النَّاسِ، وتزييفُ الحقائقِ، والكذبُ، وإعانةُ الظالمين، فهذا وإن كان الناس يتساهلون فيه ولا يسئلونَ عنه، فهو أولى بالسؤالِ لمن يريدُ أن يحفظَ دينه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
حسن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
19//جمادى الآخرة//1440هـ
24//02//2019م