﴿بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ)
(بيان دار الإفتاء بترشيد استهلاك الكهرباء)
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
وبعد؛
فإن دار الإفتاء تدعو المواطنين جميعًا إلى التعاون؛ للتغلب على أزمة انقطاع الكهرباء، وطرح الأحمال الطويل المتوقَّع، حسب مصادر وزارة الكهرباء.
وتنبه الى أن التسبب في إضعافِ الشبكةِ، بما يجعلها غير قادرة على تلبية الطلب، سواء بقفل بعض المسلحين للحقول، أو بفصل بعض المحطات عن الشبكة، هو مِن الظّلم البيِّن،
ومِن التعدي الواضحِ على حقوق الناس جميعًا؛ الصغيرِ والكبير، والمريضِ والصحيح، والعاجزِ والقادر، بغضّ النظر عن توجهاتهم وانتماءاتهم في النزاع القائم، فجميعهم متضرر، وضحية لهذا الظلم، وهو ظلمٌ لا يجد له أيُّ عاقل مبرّرًا، سوى التهاون بأمرٍ عظيم من حقوق الناس، هو أعظمُ دون شكٍّ مِن التهاونِ بصيامِ رمضان وقيامِه، الذي نحرص عليه؛ وذلك لِما يترتبُ عليه مِن الضررِ، الذي لا يكادُ ينجو منه أحدٌ، وهو – بهذا الوصف – ممّا يدخل في السعي في الأرض بالفسادِ، يتحملُ وزرَه وإثمَه ومسئوليتهُ الدينيةَ والأخلاقية، كلُّ مَن تَسببَ فيه؛ أو أعانَ عليه، أو غضّ النظر عنه؛ سواء كان من المباشرين له بقوة السلاح والقصف والتفجير، أو مِن العاملين والموظفين؛ لأنه من التعاون على الفسادِ في الأرض، واللهُ لا يحب الفسادَ، قال الله تعالى، محذرًا مِن ذلك: (وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ) [البقرة:205]، وقال تعالى: (وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا) [الأعراف:55]، وقال: (إِنَّمَا جَزَاءُ الَّذِينَ يُحَارِبُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَادًا أَن يُقَتَّلُوا أَوْ يُصَلَّبُوا أَوْ تُقَطَّعَ أَيْدِيهِمْ وَأَرْجُلُهُم مِّنْ خِلَافٍ أَوْ يُنفَوْا مِنَ الْأَرْضِ ذَٰلِكَ لَهُمْ خِزْيٌ فِي الدُّنْيَا وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ) [المائدة:33].
والعلاج لا يكون إلا بأن يشعر كل مواطن، أنّ استهلاك التيار الكهربائي أزيدَ من حاجته المُلِحة، في ظلِّ الظروف الراهنة؛ هو ممّا يدخلُ في الإسرافِ والتبذيرِ، الذي نهَى اللهُ تعالى عنه، قال تعالى: (وَلا تُسْرِفُوا إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) [الأعراف:31]، وقال تعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا) [الإسراء:27].
ويدخلُ كذلك في التعدي على حصص الآخرين، وحقوقهم في الطاقة؛ لأنّ استعمال ما يزيد على الحاجة مِن التيار، معناهُ أنْ يعيشَ آخرونَ في الظلام، ومعناه أن ينقطعَ التيارُ عن أجهزةٍ قد تكون حيويةً، وقد يكونُ مِن بينها أجهزة إنعاش، أو غسيل كلَى، فقد يتسبب عدم تعاونِك في قتلِ غيرك.
وبناءً على ما أشار به أهل الاختصاص، فيما يتعلق بترشيد الاستهلاك، فقد نبهوا إلى الآتي:
1- مِن ترشيد الاستهلاك؛ استعمالُ أفران الغاز، بدلَ أفران الكهرباء.
2- التنبه إلى إطفاء الضوء في الغرفِ غيرِ المستعملةِ داخل البيت، ولو لوقت قصير.
3- الاقتصار في التكييف على الحد الأدنى، المكيفُ الواحدُ قد يكفي عندمَا نتذكرُ حاجة الغير.
4- جهازُ التلفاز يشتغل عادةً طول اليوم، ومعظم الوقتِ لا يشاهدُه أحد.
5- سخاناتُ الماء قد لا يُحتاجُ في الصيف إليها جميعا، ومنها ما هو في حمامٍ خارجي، لا يُستعمل، ولا يُحتاجُ كذلك إلى رفع درجة حرارتها، فتخفيضُها يوفّر طاقةً للغير.
6- مما يعدُّ زائدًا على الحاجة في استهلاك التيار؛ الإنارةُ خارجَ البيت؛ في حديقةِ البيت، وفي محيطه، وعلى أسواره.
7- تُنبه دارُ الإفتاءِ إلى أن المحلات التجارية والأكشاك والأسواق، التي تتزاحم بالمصابيح الكاشفةِ، بأعدادٍ كبيرة، والكثيرُ منها غيرُ شرعي، مربوطٌ بدون عدادات للكهرباء، تنبه إلى أنّ هؤلاءِ إثمُهم كبير، وحسابُهم عسير؛ بتعدِّيهم على المال العام بالسرقة، وأخذه بغير وجه حق، فقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إن أناسًا يتخوَّضونَ في مالِ الله بغيرِ حقٍّ؛ فلهم النارُ) [البخاري:3746]، فعلى أصحابِها أن يراجعوا أنفسهم، ومن يستهلك الطاقة منهم بوجهٍ مشروع، عن طريقِ العداد، عليه أن يقتصرَ على الحاجة التي لا تضرُّ بغيره، حتى لا يَظلِم، وأن يَنْأى بنفسِه عن الإسرافِ والتبذير، ومِن الإسراف الواضح إنارة الطرقات بالنهار، فبعضها لا تُطفأ كشافاتها، فمَن المسؤول عنها؟
8- ما تقدم مِن التحذير مِن سرقة الكهرباء، أو الإسراف في استعمالها، مطلوب أيضًا من العاملينَ في كلّ القطاعات، في الجهاتِ العامةِ والخاصةِ؛ في الدوائر الحكومية، وفي المدارس، والمستشفيات، والمصحات الخاصة، ومراكز الشرطة، والمقرّات الأمنية، والمصانع؛ سواء كانت خاصة أو عامة، والورش، والمخابز، والمساجد، إنارةُ هذه الأماكنِ بالنهار، أو تشغيل أجهزة فيها لا يُحتاج إليها، كلّه – في هذا الوقتِ الحرج – يُعدّ مِن الإسراف والتبذير، والله لا يحب المسرفين.
فلا تكن مِن المسرفين في شهر الصيام، فرُبَّ صائمٍ ليس له من صومه إلا الجوع والعطشُ، وقد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (من لم يدعْ قول الزور والعمل به، فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه) [البخاري:1804].
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
دار الإفتاء الليبية
الثلاثاء 22 شعبان 1436 هـ
الموافق 9 يونيو 2015 م
{gallery}Bynat/2015/electricity{/gallery}