بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2496)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
أُعطيت قطعة أرض لأبناء عمومتي بالمغارسة، على أن لهم ثلثها بعد الإثمار، وبعدها رفضوا إرجاع الأرض لأصحابها، وهم أبناء عمومتي أيضًا، واستغلوها بالبناء والزراعة لمدة خمسين سنة، علمًا بأن أصحابها لم يتوقفوا عن المطالبة بها كل هذه المدة، فقمت بشراء حصة مشاعة من أصحابها الأصليين، وتدخلت في أمر إرجاعها وأرجعتها لهم، بعد جهد كبير من مفاوضات، وجلب مهندسين لتحديد معالمها، وأتعاب بناء ونحوه، فهل يحق لي أخذ نصيب من هذه الأرض مقابل أتعابي؟ وإذا كان يحق لي، فكم يكون؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن كان الحال ما ذكر في السؤال، فيعد هذا الفعل – ممن استغلوا الأرض ولم يفوا بالعقد الذي بينهم وبين أصحاب الأرض الأصليين – من الظلم والتعدي، الذي حرمه الله، ففي الصحيحين أن أبا سلمة بن عبد الرحمن رضي الله عنه، كان بينه وبين قومه خصومة في أرض، وأنه دخل على عائشة رضي الله عنها فذكر لها ذلك، فقالت: “يا أبا سلمة اجتنب الأرض؛ فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (من ظلم قيد شبر من الأرض طوقه من سبع أرضين)” [البخاري:2453، مسلم:4144].
فالواجب عليهم إرجاع الأرض إلى أصحابها، والتوبة إلى الله من هذا الفعل المحرم.
وأما ما قمت به من عمل، وما تكلفته من جهد، لإرجاع هذه الأرض إلى أصحابها، دون أن تتفق معهم على أجرة معينة على هذا العمل، وكنت غير ناوٍ التطوع به، فإنك تستحق عليه أجرة المثل؛ لأن من قام عن غيره بما لا بد له منه بغير إذنه، فإنه يستحق أجرة مثله؛ قال بهرام رحمه الله: “وكل من أوصل لك نفعًا بعمل أو مال، وإن بغير قصد، أو لم تأمره به، مما لا بد لك منه بغرم، لَزِمَكَ أجرة العمل، ومثل المال؛ كأن حرث أرضك، أو سقاها، أو حصد زرعك، أو طحن حبك، أو أنفق على زوجتك وولدك وعبدك، فإن كان عملًا لا يحتاج له، أو يليه بنفسه دون غرم، أو أنفق على من لا تلزمك نفقته فلا شيء عليك، ولا في زائد إن أنفق أكثر من قوت محتاج إليه” [الشامل:797/2].
وعليه؛ فلك أن ترجع عليهم في المصاريف والأتعاب بحسب المتعارف عليه بين الناس، إن لم تكن متبرعا بذلك في بداية أمرك، فتحتكم فيما عملت إلى أهل الخبرة بهذا الشأن؛ لتحديد ما تستحقه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
محمد الهادي كريدان
أحمد ميلاد قدور
الصادق عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
01/ذو القعدة/1436هـ
16/أغسطس/2015م