بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4935)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
جاء في وثيقة الحبس ما نصه: (وجعل المحبس النظارة في جميع ذلك، والمتولي لجميع الوقف المذكور وصرفه في محله ابنه الشيخ الفقيه العارف سيدي محمد بالضم ثم لمن هو أهل لذلك من ذريته، والأصلح منهم، وكذلك من بني بنيه لآخر العقب)، فما هي الصفة التي ينبغي أن يتصف بها الناظر على هذا الوقف؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فناظر الوقف هو الذي يتولى رعايته وإصلاحه، وصرف غلته على مستحقها، وقد نقل الناصر اللقاني أنه يشترط في ناظر الوقف ما يشترط في الوصيّ. [ضوء الشموع شرح المجموع: 26/4]، فيشترط فيه الإسلامُ، والتكليفُ، فلا يكون مجنونًا ولا صغيرًا، والعدالةُ، وتتطلب الأمانة؛ وذلك لأن النظارة ولاية، ولا ولاية لفاسق وخائن، والكفايةُ، وهي الخبرة والمهارة في رعاية مال الوقف، وتصريفه على أفضل الوجوه، فلا يكون السفيه ناظرًا؛ لئلا يتعرض الوقف للضياع، قال الله عز وجل: ﴿وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ﴾ [النساء: 5]، قال ابن الحاجب رحمه الله: “الْمُوصَى شَرْطُهُ: التَّكْلِيفُ وَالْإِسْلَامُ وَالْعَدَالَةُ وَالْكِفَايَةُ” [جامع الأمهات: 547]، كما يشترط في الناظر ألّا يكون الواقفَ نفسَه، قال الخرشي رحمه الله: “مَنْ وَقَفَ وَقْفاً عَلَى غَيْرِهِ وَشَرَطَ أَنَّ النَّظَرَ لَهُ فَإِنَّ الْوَقْفَ يَكُونُ بَاطِلاً؛ لِأَنَّ فِيهِ تَحْجِيراً” [شرح الخرشي على المختصر: 84/7]، والواجب اتباع شرط الواقف في جعل النظارة على الوقف لابنه، ومن بعده الأصلح والأهل من ذرية الابن المذكور، وقد أوصى عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن تليَ صدقتَه حفصةُ بنتُ عمر: “تَلِيهِ حَفْصَةُ مَا عَاشَتْ، ثُمَّ يَلِيهِ ذُو الرَّأْيِ مِن أَهْلِهَا” [أبو داود: 2879، ابن حجر: بِسَنَدٍ صَحِيحٍ بِهِ، ابن الملقن: بإسنادٍ صَحِيح]، قال خليل رحمه الله: “وَاتُّبِعَ شَرْطُهُ إِنْ جَازَ كَتَخْصِيصِ مَذْهَبٍ أَوْ نَاظِرٍ” [المختصر: 213]، قال المواق رحمه الله: “ابنُ عَرَفَة: النَّظَرُ فِي الحُبُسِ لِمَنْ جَعَلَهُ إِلَيْهِ مُحَبِّسُهُ، المتّيطِيُّ: يَجْعَلُهُ لِمَنْ يُوثَقُ بِهِ فِي دِينِهِ وَأَمَانَتِهِ” [التاج والإكليل: 649/7]، قال عليش رحمه الله: “(أَوْ) تَخْصِيصُ (نَاظِرٍ) عَلَيْهِ بِشَخْصِهِ أَوْ بِوَصْفِهِ” [منح الجليل: 147/8].
عليه؛ فالواجب على القضاة وأهل العدل والعلم في منطقتكم، أن ينظروا في شرط الواقف المذكور، ويتحرّوا الصفات المطلوب تحققها في الناظر من العقب، ولا يجوز أن يتقاسم النظارة على الوقف أبناء محمد المذكور، بل يولّى أرشدهم، ولا يجوز خلاف ذلك، قال الله عز وجل: (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة: 181]، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن بن حسين قدوع
حسن بن سالم الشّريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
18//محرم//1444هـ
16//08//2022م