بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (4936)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
جاء في وصية والدنا قوله: “وهبتُ لأبنائي وتصدقت كامل النصف من قطعة الأرض… بتاجوراء، محلة سيدي خليفة… وأبنائي هم: ع، م، ف، خ، ط، س، ولكل واحد منهم نصيب 500م2، والباقي يكون خاصا لأبنائي القُصَّر، وهم: خ، ط، س، صدقة تامة شرعية لا خلل فيها، عن طيب نفس”، علمًا أن الوالد لم يقصد بقوله: “القصر” أنهم دون سنّ البلوغ، بل كانوا بالغين، بعضهم في الجامعة، وبعضهم في الثانوية، وإنما وصفهم بالقصر؛ لأنهم كانوا عُزَّاباً دون سائر بنيه، وقد بقيت الأرض مهملة، ولم يحز أحد من الأبناء نصيبه في الأرض حتى توفي الوالد، فما هو الحكم الشرعي في هذه الهبة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنَّ من شرطِ تمامِ الهبةِ الحيازة، وذلك بأن يتصرفَ الموهوبُ له في الهبة تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ في حياة الواهب، كي تتحقق الحيازة الشرعيةُ التي ينتقل بها الْمِلك، فإن لم تتم الحيازة حتى حصلَ للواهب مانعٌ، مِن فلسٍ أو موتٍ أو مرضٍ مخوف متصلٍ بالموت؛ فقد بطلتِ الهبة، وصارتْ ميراثًا يقتسمه جميع الورثة، روى مالك رحمه الله في الموطأ عن عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (إِنَّ أَبَا بَكْرٍ الصِّدِّيقَ كَانَ نَحَلَهَا جَادَّ عِشْرِينَ وَسَقاً مِنْ مَالِهِ بِالْغَابَةِ، فَلَمَّا حَضَرَتْهُ الْوَفَاةُ قَالَ: وَاللَّهِ يَا بُنَيَّةُ مَا مِنَ النَّاسِ أَحَدٌ أَحَبَّ إِلَيَّ غِنًى بَعْدِي مِنْكِ، وَلَا أَعَزَّ عَلَيَّ فَقْراً بَعْدِي مِنْكِ، وَإِنِّي كُنْتُ نَحَلْتُكِ جَادَّ عِشْرِينَ وَسَقاً، فَلَوْ كُنْتِ جَدَدْتِيهِ وَاحتَزْتِيهِ كَانَ لَكِ، وَإِنَّمَا هُوَ الْيَوْمَ مَالُ وَارِثٍ، وَإِنَّمَا هُمَا أَخَوَاكِ وَأُخْتَاكِ، فَاقْتَسِمُوهُ عَلَى كِتَابِ اللَّهِ) [الموطأ: 2202]، والحيازةُ في كل شيء بحسبه، فحيازةُ العقار الموهوب تكون بتخليةِ الواهبِ له، وإفراغِه من متاعه وشواغله، وتصرُّفِ الموهوب له فيه تصرفًا يدلُّ على التملّكِ، كأن يحرثَ الأرضَ، أو يبنيَ عليها، أو يسكنَ الدار أو يُكْرِيَهَا.
وعليه؛ فإن كان الحال كما ذكر في السؤال، مِنْ أَنَّ جميعَ الأبناءِ لم يحوزوا أنصباءَهم الموهوبةَ من الأرض حتى ماتَ أبوهم؛ فالهبةُ باطلةٌ، والأرضُ ميراثٌ، يرجعُ الحقُّ فيها إلى جميع الورثة، يقتسمونها حسبَ الفريضة الشرعية، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن بن حسين قدوع
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
18//محرم//1444هـ
16//08//2022م