بسم الله الرحمن الرحيم
بيان مجلس البحوث والدراسات الشرعية التابع لدار الإفتاء حول مستجدات الحوار السياسي
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف المرسلين، سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وبعد ؛
فإن الله تبارك وتعالى أوجب على أهل العلم البيان، وتوعَّدهم وحذَّرهم من الكتمان، فقال تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يَكْتُمُونَ مَا أَنْزَلْنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالْهُدَى مِنْ بَعْدِ مَا بَيَّنَّاهُ لِلنَّاسِ فِي الْكِتَابِ أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللَّهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللاعِنُونَ} آل عمران(159) .
وشعوراً من أعضاء مجلس البحوث والدراسات الشرعية التابع لدار الإفتاء بثقل هذه المسؤولية، فإنهم يُنبّهون بخصوص مُسوّدة الحوار السادسة التي يدور حولها الجدل في الوقت الحاضر، إلى الآتي:
أولا: يستغرب أعضاء المجلس أشد الاستغراب من خلوِّ المُسودة –التي ستكون وثيقة دستورية حاكمة في بلد أهلُه مسلمون– من التنصيص صراحةً على الالتزام بتحكيم الشريعة الإسلامية، وأنّ كل ما يخالفها من التشريعات والقوانين باطلٌ، والاكتفاء بالإشارة إلى ذلك على استحياءٍ ضمن ديباجة المُسوّدة، بدل أن تكون أول المبادئ الحاكمة.
بل إن ما جاء فيها ممّا يتعلق بإلغاء جميع القرارات الصادرة من المؤتمر الوطني العام من 4 أغسطس 2014 إلى وقت التوقيع عليها، ينسف كل ما تحصّل عليه الشعب الليبيُّ في التعديل التاسع للإعلان الدستوري، بشأن تحكيم الشريعة الإسلامية وإبطال كل ما يخالفها.
ويُنبّه المجلس إلى أنّ الإبقاء على نصِّ هذا التعديلِ والتمسّك به في أي وثيقة أو مُسوّدةِ تَوافق بين الليبيين هو فرضٌ لا يجوز التفريط فيه، ولا يحلُّ لأحدٍ التوقيعُ على مستندٍ للتوافق لا يتضمنه، لأن الله تعالى حذّر من ذلك أشدّ التحذير، قال تعالى: {وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ تكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا } الأحزاب (36).
ثانيا: نظرا لِلَّغط الذي أثير حول هذه المسودة والغموض الذي اكتنف بعض موادها فيما يسميه الساسة (الغموض البناء)، فإن المجلس يدعو أعضاء المؤتمر الوطني العام – وفقهم الله – إلى التريث وعدم العجلة في البتِّ في المسودة، قبل الدراسة المتأنية المستفيضة من أهل الاختصاص وذوي الخبرة، والاستفادة من كل من يَعْنيه الأمر ممن يحمل همّ الوطن، حتى تصيرَ الأمورُ واضحةً جليةً، لأن مصير البلد ومستقبلَه يتوقف عليها، كما أنه لا يجوز شرعا التوقيعُ على عقدٍ بين طرفين به غموضٌ أو موادٌّ عليها نزاع بين الأطراف لم يُحسم، لأنه من الغرر في العقود، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن عقود الغرر، ومن جانب آخر على مؤسسات المجتمع المدني وتجمعات الميادين أن يعطوا المؤتمر الوطني العام الفرصة الكافية لدراسة المُسوّدة ولا يرهقوه أو يتدخلوا في شؤونه بالضغط عليه أو ما شابه ذلك وأن يُعبّروا عن مطالبهم بأسلوب سلمي حضاري.
ثالثا: يجب أن يكون التحاكم في أي نزاع ينشأ في تفسير نصوص المُسوّدة بعد إقرارها إلى أهل الوطن من قضاةٍ وغيرهم لا إلى أطرافٍ خارجيةٍ.
رابعا: يتعيّن قبل التوقيع على المسودة وضعُ توضيحٍ وتعريف لكلمة الإرهاب، ولا تترك الكلمة عائمةً، فإن كل طرف سيفسرها على هواه، كما نرى الآن، فكل ما يفعله حفتر في بنغازي من جرائم ضد الإنسانية يُسميه محاربةً للإرهاب!
خامسا: على ولاة الأمر، ألا يُسلِّموا الأمانة التي في أعناقهم إلا لمن يخاف الله تعالى في عباده، ولا يُمكِّنوا منها من يعلن عداءه للشريعة صراحة، لأن التصريح بالعداء لشريعة الله يخرج عن الملة والعياذ بالله، يجب على كل مسلم أن يتبرأ منه ويتنزّه عنه ولا يُعين عليه.
سادسا: يدعو المجلس جميع الأطراف المشاركة في عملية الحوار إلى تقديم مصلحة الوطن قبل كل شيء، وألاّ يكونوا سبباً في هيمنة القوى الخارجية على البلاد، أو سلب إرادة أهلها، وأن يسعوا جادين إلى التوافق وجمع كلمة الليبيين على الحق كما قال تعالى: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} آل عمران : 103 .
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
صدر عن مجلس البحوث والدراسات الشرعية التابع لدار الإفتاء يوم الجمعة بتاريخ الرابع من ذي الحجة 1436هـ الموافق 18 سبتمبر 2015م
{gallery}Bynat/2015/BayanDraft6{/gallery}