هل يشمل إطعام المساكين في كفارة اليمين الفقراء؟
هل يجزئ إعطاء قيمة الكفارة لأصحاب الأمراض المزمنة والأورام، الذين لا يجدون ثمن العلاج؟
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5100)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
بعض الجمعيات الخيرية تأخذ قيمة كفارات اليمين من الناس، وتُعِدُّ بها وجبات للفقراء، وقد ذكرت الآية أنها تعطَى للمساكين، فهل يُجزئ إطعام الفقراء في كفارة اليمين؟ ثم أليس الأولى إعطاء قيمة الكفارة لأصحاب الأمراض المزمنة والأورام، الذين لا يجدون ثمن العلاج؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن المراد بالمساكين في قوله تعالى: ﴿فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ﴾ ما يشمل الفقير أيضًا، قال الدردير رحمه الله: “الْكَفَّارَةُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ… النَّوْعُ الْأَوَّلُ: (إطْعَامُ) أَيْ تَمْلِيكُ (عَشْرَةِ مَسَاكِينَ)، وَالْمُرَادُ بِهِ مَا يَشْمَلُ الْفَقِيرَ” [شرح أقرب المسالك: 211/11]، وقال ابن عبد البر رحمه الله: “وَلَا يُعْطَى مِنَ الكَفَّارَةِ إِلاَّ حُرٌّ مُسْلِمٌ فَقِيرٌ أَوْ مِسْكِينٌ” [الكافي في فقه أهل المدينة: 454/1].
والواجب عند مالك رحمه الله هو إعطاء الطعام أو الكساء، لا دفع قيمة ذلك، جاء في المدونة: “قُلْتُ: أَرَأَيْتَ إنْ أَعْطَى الْمَسَاكِينَ قِيمَةَ الثِّيَابِ أَيُجْزِئُ أَمْ لَا؟ قَالَ: لَا يُجْزِئُ عِنْدَ مَالِكٍ” [598/1].
ولكن جوّز الإمام أبو حنيفة رحمه الله إخراج القيمة في الكفارات والزكاة، إذا كان في ذلك حاجةٌ ومصلحة للمساكين، ولذلك قال النفراوي رحمه الله: “فُهِمَ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ -كَالْآيَةِ الشَّرِيفَةِ- أَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ إخْرَاجُ دَرَاهِمَ، وَلَا عُرُوضٍ، كَمَا لَا يَصِحُّ ذَلِكَ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ، وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِصِحَّةِ ذَلِكَ، فَيَنْبَغِي لِمَنْ لَا يَسْتَطِيعُ الْإِطْعَامَ قِيمَةُ الطَّعَامِ أَوْ قِيمَةُ الْكِسْوَةِ” [الفواكه الدواني: 414/1].
وعليه؛ فإن الإطعام هو الأصلُ على المذهب، وأما إعطاء القيمة لأصحاب الأمراض المزمنة من ذوي الحاجاتِ، فجائزٌ أيضًا على مذهبٍ معتبر، ولكنه ليس الأَوْلَى بإطلاقٍ، وإنما هو أمرٌ راجعٌ للتقدير والنظرِ في مصلحةِ الفقير، فقد لا يوجد في بعض البلاد من يحتاج إلى الطعام أو لا يقبله لو أعطي إليه، أو يقبله ويبيعه لتوفر الطعام بين الناس وعدم الحاجة إليه، وتوجد حاجة شديدة بينهم للمال والعلاج من أمراض لا قدرة لهم على دفعها، فتقدير ذلك يخضع للجهة التي تتولى صرف الكفارات، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن بن حسين قدوع
عبد العالي بن امحمد الجمل
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
21//رجب//1444هـ
30//01//2023م