طلب فتوى
البيعالفتاوىالمعاملاتقضايا معاصرة

شراء الاعتمادات وبيعها

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (2529)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

أنا وكيلٌ تجاريّ لأحد المنتَجات، منذ عشرين سنة، أقوم بتوفير هذه السلعة بأسعارٍ مناسبةٍ ومنافسة، وفي هذه الأيام تعرضت إلى أنّ الكثيرَ يرغبُ في استيرادِ هذه السلعة، ويحاول إبعادي بطرق مختلفة؛ وفي الفترة الأخيرة تعذرَ عليّ الحصولُ على اعتماداتٍ مصرفية، بسببِ ابتعادِنا عن الفسادِ الماليّ، وعدم دفعِ الرشاوى، للحصول على الموافقات على الاعتمادات المستندية، ممّا أدى إلى انخفاضِ كميةِ استيرادِنا مِن المصنعِ.

هذا الأمر استغلّه المنافسون، واتصلوا بالمصنعِ، وعرضُوا عليهم فتحَ اعتماداتٍ والشراء منهم، ممّا جعلَنا معرَّضينَ لفُقدانِ مصدرِ رزقِنا، وفقدان مجهودِنا القديم.

وفي الآونة الأخيرة عرضت علينَا مجموعةُ شركاتٍ بيعَ اعتماداتِهم لنَا، مقابلَ مبلغٍ ماليّ، ولكن نحنُ لا نعلمُ كيف تحصلُوا على هذه الاعتمادات، إحدى هذه الشركات مسجلةٌ باسم ابنٍ لموظفٍ في المصرف.

السؤال: هل يجوزُ شراءُ هذه الاعتماداتِ والتعاملُ بها؛ لغرضِ المحافظةِ على التوكيلِ، والمحافظةِ على مصدرِ دخلِنا، وكذلكَ توفير السلعةِ بسعر مناسبٍ للمواطن؟ علمًا بأنّ مكسبَ هذه الشركةِ لا يتعدّى عشرةَ قروشٍ لكلّ دولار، أعني أنه يمكن توفيرُ السلعة بسعر مناسبٍ جدًّا.

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فلا يجوزُ شراءُ الاعتماداتِ من الباطنِ؛ لِما في ذلك مِن التمكينِ للمرتشين والسراقِ، وإعانتِهم على المزيدِ مِن نهبِ المال العامّ، ومِن قطعِ أرزاقِ التجارِ الأُمناء الشرفاءِ، الذينَ يعفّون ويكفّون، وتأبَى نفوسُهم الشريفةُ وبطونُهم التي اعتادتِ الحلالَ؛ أن تأكلَ السحتَ والخبيثَ مِن المال، حتّى لو احتاجُوا، وضُيِّق عليهم، ومُنعُوا حقوقَهم.

قال تعالَى: ﴿قُل لاَّ يَسْتَوِي الْخَبِيثُ وَالطَّيِّبُ وَلَوْ أَعْجَبَكَ كَثْرَةُ الْخَبِيثِ﴾ [المائدة:100]، هذَا الصنفُ مِن التجّار، وإنْ كسدَت تجارتُهم، وقلّ مالُهم؛ فإنهُ سيُبارِك الله تعالى فيه، ويربُو ويثمرُ ويكثر، لكفّ أنفسِهم عن الحرام طاعةً لله، ولطيبِ مالِهم، وقد أخبرَنا الله تعالى أنّ الشجرةَ الطيبةَ: ﴿تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا﴾ [إبراهيم:25].

أمّا الصّنف الآخر؛ الذينَ يتاجرونَ في هذه الاعتماداتِ المزورةِ المشوهة، ويتوصلون إليها بالرشاوى، أو التهديد والتخويف، أو القرابة والوجاهات، أو أسماء الشركاتِ الوهمية؛ فهم إنّما يأكلونَ في بطونِهم نارًا وسيصلونَ سعيرًا، لأنّهم يتخوّضونَ في مالِ اللهِ بغيرِ حقٍّ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (فَلهُم النارُ) [البخاري:2950].

وهم أيضا يدمرون اقتصادَ الوطنِ، ويضيّقونَ على الناس في أقواتِهم وأرزاقِهم، ويمتصّونَ دماءَ الضعفاءِ والفقراءِ، وينهَشونَ في أجسادِهم المنهكة.

وشراءُ الاعتماداتِ من هؤلاء الظلمة هو عونٌ ودعمٌ لهم؛ ليقيمُوا على ما همْ عليهِ من الظلمِ، ويطلبُوا المزيدَ منهُ، فتعجبُهم كثرة ماله، وتغرّهم خضرته ونماؤُه، وهو (لا يَخْرُجُ إلّا نَكدًا)، مشؤومًا على أهلِه، لاراحةَ لهم معه في قابل الأيامِ، وإنْ أعجبَتهم زهرتُه ونضرَتُه في حينِه، وليسَ حالُهم في حقيقتِه إلّا؛ (كالّذي يأكلُ ولا يشبعُ)، كما أخبرَ النبي صلى الله عليه وسلم [البخاري ومسلم].

فالواجب على هذا السائل وعلى غيره؛ هو كشفُ السرَّاق والمرتشينَ، مِن أمثالِ هؤلاءِ، والمتسترينَ عليهم مِن أهلِ الزورِ وأكلِ المالِ بالباطل، لا شراءُ الاعتماداتِ منهم، وإعانتُهم على ظلمِهم، وإسرافهم علَى أنفسِهم، واللهُ أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

محمد الهادي كريدان

أحمد محمد الكوحة

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

15/ذو القعدة/1436هـ

30/أغسطس/2015م

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق