طلب فتوى
قضايا معاصرة

تقاعس الأطباءِ عن أداءِ مهامّهم

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (2530)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

انتقل إلى رحمة الله تعالى مجموعة من الشباب، بعد إصابتهم في حوادث سيارات، ولم يتم استقبالهم في أي مستشفى من مستشفيات المدينة، وهناك حالات أخرى ما زالت تنتظر من يُسعفها، وكل ذلك بسبب تقاعس الأطباءِ عن أداءِ مهامّهم، وبسبب تقاعس وخذلان المجلس البلدي، وبسبب تقاعس أهل المدينة، وعدم اتخاذ موقف حازم تُجاه ما يحدث في المستشفيات، وبسبب سلبية أصحاب المستشفيات الخاصة.

وقد كان الأطباء من قبل يعملون في أصعب الظروف، وتحت القصف، أما الآن فهم يتحججون بحجج واهية، كعدم الحماية مثلا!

والسؤال هو: ما حكم إقفال المستشفيات، الذي يؤدي إلى قتل الناس؟ وما حكم ولي الأمر الذي يتقاعس عن أداء مهامه، ويترك رعيته دون حماية من فئة باغية؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن من أتاه مريض مشرفٌ على الهلاك، أو جريحٌ ينزف، أو عطشان يطلب الماء، فمنعه الإيواء أو الدواء أو الماء حتى مات؛ فإنه يُعد قاتلا له؛ لأن الكفَّ كالفعل عند الفقهاء؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (ثَلَاثَةٌ لَا يُكَلِّمُهُمُ اللَّهُ عز وجل، وَلَا يَنْظُرُ إِلَيْهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَلَا يُزَكِّيهِمْ، وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ: رَجُلٌ عَلَى فَضْلِ مَاءٍ بِالطَّرِيقِ يَمْنَعُ ابْنَ السَّبِيلِ مِنْهُ …) [النسائي:4462]، قال القاضي عياض رحمه الله: “… لأنه في تعريضه للتلف يشبه قاتله”.

لكن ينبغي التنبيه إلى أن للأطباء والفريق المساعد لهم من التمريض وغيرهم حقوقٌ، يتعين ضمانها لهم، وعلى رأسها الأمن، فيجب على المسؤولين في كل بلدية أن يوفروا لهم من يحميهم، وأن يشددوا الحراسة على المستشفيات والمرافق الحيوية الأخرى، ولا يتردّدوا في الأخذ بلا هوادة على أيدي المجرمين، الذين يتعدون على الأطباء والمستشفيات، وأن لا يتهاونوا معهم، ولا يحل لأحد من أهليهم أو أصدقائهم أو كتائبهم التي ينتسبون إليها التعاطفُ معهم، ولا الشفاعةُ فيهم، ولا التسترُ عليهم، ولا إيواؤهم، فإن النبي صلى الله عليه وسلم يحذر من هذا ويقول: (…وَلَعَنَ اللَّهُ مَنْ آوَى مُحْدِثًا…) [مسلم: 1261].

والتعدي على المرافق؛ التي تقدم خدمة للناس في النفط وموانيه وحقوله، أو الجوازات، أو الكهرباء، أو المستشفيات والخدمات الصحية – التعدي عليها مهما كانت مبررات مرتكبيه – هو من الفساد في الأرض، والعداوة للدين، والخيانة للوطن، خصوصًا في هذه الظروف الحرجة التي نمر بها، ولم تقم الثورة لهذا الفساد المدمر، بل قامت لقطع دابره، ولا يفعل مثل هذه الجرائم المنكرة إلا من كان من أعداء الثورة، وإن زعم أنه منها، وينتمي إليها.

والمجالس البلدية، والأجهزة الأمنية في كل المدن الليبية، مكلفة شرعا بحماية هذه المرافق والعاملين بها، من أطباء وغيرهم، وتهاون هذه الجهات في حفظ الأمن بما يؤدي إلى عدم قيام الأطباء بواجبهم، وتعريض مرضاهم إلى الخطر، وربما إلى الموت، مما يعفي الأطباء من مسؤولية المشاركة في القتل، الذي ذكرتَه آنفًا، ويضعُها في رقاب المسؤولين. والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

محمد الهادي كريدان

أحمد محمد الكوحة

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

16/ذو القعدة/1436هـ

31/أغسطس/2015م

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

شاهد أيضاً

إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق