حكم الهبة للابن بشرط عدم ميراثه من أبيه
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5171)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
نحن أبناء م ع رحمه الله، نسكن في مزرعة كانت ملكًا لوالدنا، حيث منحنا – نحن الذكور – قطعَ أرضٍ للبناء عليها، وقد أبلغ كلَّ واحد منّا أن ما أعطاه له من أرض يُعدُّ جزءًا من نصيبه من الميراث، ثم منح صهرَنا – زوج أختنا – قطعة أرض ليسكن بجوارنا، فطلب صهرنا تغيير الأرض؛ لتكون على الطريق، فوافق الوالد، ثم طلب من والدنا التنازل عن الأرض لابنته، ففعل ذلك عند محرر للعقود، ولم ينصّ في عقد التنازل على اشتراط أن تكون الأرض المتنازل عنها جزءًا من ميراثِ البنت، ولم يخبره بذلك شفهيًّا، لكن أخبرنا – نحن الأبناء – بذلك كما فعل معنا، وكتبه في الوصية المرفقة، فهل ما وهبه لأختنا يُعدُّ جزءًا من ميراثها؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ الهبة بشرط عدم الميراثِ باطلة، إنْ كان الشرط مقارنًا للهبة أو وثيقتها، وإن تأخر الشرط عن أصل الصدقة، فالشرط باطلٌ دون الصدقة، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “قَالَ ابْنُ حَبِيبٍ، عَنْ مُطَرِّفٍ، وَابْنِ الْمَاجِشُون: وَمَنْ تَصَدَّقَ عَلَى ابْنِهِ الْكَبِيرِ بِصَدَقَةٍ عَلَى أَنْ قَطَعَ بِهَا مِيرَاثَهُ مِنْهُ، فَإِنْ شَرَطَ ذَلِكَ فِي أَصْلِ الصَّدَقَةِ، فَالصَّدَقَةُ بَاطِلَةٌ، وَإِن اسْتَثْنَى ذَلِكَ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ، فَالصَّدَقَةُ مَاضِيَةٌ، وَالشَّرْطُ بَاطِلٌ” [النوادر والزيادات: 219/12].
وأما الهبة بشرطِ أن يكون الموهوب جزءًا من نصيب الموهوب له من ميراث الواهب؛ فباطلةٌ أيضًا، إذا كانت مقارنة للهبة أو وثيقتها؛ لكون المعاوضة مجهولة، قال الحطاب رحمه الله: “قُلْتُ: أَمَّا بُطْلَانُ الصَّدَقَةِ إذَا كَانَ الشَّرْطُ فِي أَصْلِ عَقْدِهَا فَظَاهِرٌ؛ لِأَنَّهَا مُعَاوَضَةٌ مَجْهُولَةٌ؛ فَتَأَمَّلْهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ” [تحرير الكلام في مسائل الالتزام: 406].
عليه؛ فالهبة التي وهبها الأب لابنته صحيحةٌ لازمةٌ، حيزت حال حياته، ولا تعدُّ جزءًا من الميراث؛ لأن ما يدعيه الأبناءُ من اشتراط الأب أن تكونَ الهبة جزءًا من الميراث لم يعلمه الصهرُ ولا زوجتهُ، اللذان هما أحد طرفي عقد التنازل، فلا عبرةَ به، وأما ما يخصُّ ما وهبه الأب للأبناء الذكور، فإن اشترطَ الأب عليهم عند الهبة أن يكون ما وهبه لهم جزءًا من ميراث كلِّ واحد منهم؛ فالهبةُ باطلة، وبذلك فما وهبه لهم يرجع ميراثًا، وإن اشترط ذلك بعد العقد؛ فالهبةُ صحيحة لازمة، والشرطُ باطل، ولا يُعدُّ ما وهبه لهم جزءًا من الميراث، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
12//رمضان//1444هـ
03//04//2023م