البناء في ملك الوالد بإذنه
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5305)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
كان لوالدي رحمه الله قطعة أرضٍ بجوارِ بيت سكناه، فأذنَ لي في البناء فيها، وطلب مني أن أسمح لمَن شاء من إخوتي بالبناء فوقي، وفي عام 1992م بنيت قواعد وأعمدة لصالةٍ بمرافقها في الدور الأرضي، وبنيتُ فوقها شقة، وتزوجت وسكنت فيها عام 1996م، ثم توفي الوالد عام 2007م، ولم يبيِّن هل أعطاني الأرض على سبيل الهبةِ، أم لا؟ وقد عرضتُ على بعض إخوتي البناء فوقي فرفضَ، واشترى شقةً جاهزة، فهل يعد إذن والدي لي بالبناء في قطعة أرضه هبة نافذة؟ وهل لهم الحق في قطعة الأرض، أم سطح منزلي فقط؟ علمًا أن الشقة في حيازتي حتى يومنا هذا.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإذنُ الأب لابنه بالبناء على أرضه لا يُعدُّ هبةً له، فقد ذهب ابن مُزَيْنٍ رحمه الله ومَن تبعه؛ إلى أن هذا القول من الأبِ للابن لا يفيدُ التمليك، ولا يعدّ إذنًا على الحقيقة، وليس له إلا قيمة بنائه منقوضًا، قال ابن مُزَيْنٍ رحمه الله: “مَنْ قَالَ لاِبْنِهِ اعْمَلْ فِي هَذَا الْمَكَانِ كَرْمًا أَوْ جَنَانًا أَوِ ابْنِ فِيهِ دَارًا فَفَعَلَ الْوَلَدُ فِي حَيَاةِ أَبِيهِ، وَصَارَ الْأَبُ يَقُولُ كَرْمُ ابْنِي وَجَنَانُ ابْنِي، فَإِنَّ الْقَاعَةَ لاَ يَسْتَحِقُّهَا الابْنُ بِذَلِكَ وَتُورَثُ عَنِ الْأَبِ، وَلَيْسَ لِلِابْنِ إِلَّا قِيمَةُ عَمَلِهِ مَنْقُوضًا … وَقَدْ يَكُونُ مِثْلُ هَذَا كَثِيرًا فِي النَّاسِ فِي الْوَلَدِ وَالزَّوْجِ وَلاَ يُرِيدُونَ بِهِ التَّمْلِيكَ”[منح الجليل: 8/182].
وهذا الحكم – وهو عدم تمليك الأرض وإعطاء الابن قيمة البناء منقوضًا – مبني على العرفِ في ذلك الوقت، فإذا تغيَّر العرف تغيَّر الحكم، قال العجماوي رحمه الله: “وَلاَ يَكُونُ ذَلِكَ مِلْكًا لَهُ لِلْعُرْفِ فِي تَطْمِينِ الْأَبْنَاءِ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَلِذَلِكَ لَوْ قَالَ هَذَا لِأَجْنَبِيٍّ كَانَ فِي مَعْنَى الْهِبَةِ” [شرح المختصر: 347]، وقال ابن رحال رحمه الله: “… وَإِنَّمَا كَانَ لِلِابْنِ قِيمَةُ مَا بَنَاهُ مَنْقُوضًا؛ لِأَنَّ الْعُرْفَ جَارٍ بِتَطْيِيبِ الْأَبِ خَاطِرَ الْوَلَدِ، وَلَوْ كَانَ قَالَ هَذَا لِأَجْنَبِيٍّ لَمْ يَكُنِ الْحُكْمُ كَذَلِكَ… وَالرُّجُوعُ لِلْعُرْفِ هُوَ الْوَاجِبُ فِي هَذَا، فَإِنَّ الْآبَاءَ لَا يَقْصِدُونَ مَا قَالَهُ ابْنُ مُزَيْنٍ” [فتح الفتاح: 10/17ب]، ومثل هذا القول من الأب للابن في زماننا، وإن كان لا يعدّ هبةً للأرض والبقعة، فإنه يقتضي الإذنَ لابنه بالبناء حقيقة، وليس مجرّد تطييب خاطر.
عليه؛ فإن للابن الباني قيمة بنائه قائمًا عند مقاسمته مع باقي الورثة، كما أشار إليه ابن رحّال والعجماوي رحمهما الله، فتُقوَّم أرض الأب بغير بناء، ثم تُقوَّمُ مع البناء الذي زاده الابن، والفرق بين التقديرين يأخذه الابن مقابل بنائه، ثم يقسَّمُ ما سوى ذلك على حسب الفريضة الشرعية، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
25/صفر/1445هـ
10/ سبتمبر/2023م