طلب فتوى
الأسرةالطلاقالفتاوىالنكاح

حكم الطلاق المعلق

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5312)

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

في سنة 1996م منعتُ زوجتي من الخروجِ لمدةِ عامٍ كامل، وقلت لها: إن خرجت خلال هذه المدة فأنت طالق، ثم سألت شيخًا عن هذا، فأفتاني بدفع فدية (20 دينارًا) للتحللِ من هذه اليمين، ففعلتُ ما أمرني به، وبناء عليه بدأتْ زوجتي بالخروج، ثمّ بعدها في سنة 2007م حلفتُ بالطلاق، بأنني لن أتنازل عن شكوى كنت قد رفعتها ضد ابن الجيران، بسبب تعديه على ابني، وبعد تدخلٍ من أعمام المتعدي، أخبرتهم بأنني لا أستطيع التنازل بسبب حلفي بالطلاق، فأحضروا لي شيخًا، وسردت له ما حدث لي سابقًا، فقال لي إن الطلقة الأولى واقعة، وأن الطلقة الثانية واقعة إن تنازلت عن الشكوى، وأخبرني بأن عليَّ أن أرجع زوجتي بعد التنازل، وفعلت ما أمرني به، وفي سنة 2022م، طلب مني ابني البدء في العمل بجانب الدراسة، فامتنعت، وقلت له: اهتم بالدراسة الآن، وقمت بتهديده بحلفي على زوجتي بالطلاق -وهو حاضر يسمع- وذلك بقولي لها: “لو خَدَمْ لا تطعميه، ولو فعلتي وهو يخدم فأنت طالق”، وقد قام ابني بالانخراط في العمل، وذلك بتوصيل البضائع مقابل مبلغ مالي، ثم تركه، ويساعد أخاه أحيانًا بمقابل كذلك، ويعيش معنا بشكل اعتيادي، فما حكم هذه الطلقات؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالطلاق المعلَّق على شيء يقع بمجرد وقوع الشيء المُعَلَّقِ عليه، فعن نافع رحمه الله أنه قال: “طَلّقَ رَجُلٌ امْرَأَتَهُ الْبَتّةَ إِنْ خَرَجَتْ، فَقَالَ ابنُ عُمَرَ رضي الله عنهما: إِنْ خَرَجَتْ فَقَدْ بُتَّتْ مِنْهُ، وَإِنْ لَمْ تَخْرُجْ فَلَيْسَ بشَيْءٌ” [البخاري:7/45].

وتطليق الزوج لزوجته بتعليقه على خروجها من البيت خلال مدة معينة – وقد خرجت فيها – واقع؛ لوقوع المعلق عليه، وهو الخروج.

واسترسالُ الزوج بعده على زوجته دون ترجيع لها حرامٌ عليه، ولا تنفعه كفارة اليمين، ويجب أن يتوبَ منه، ويصدقَ في التوبة والندم، لعل الله يعذره بجهله، وعليه أن يتعلم ما ينفعه، حتى لا يقع في مثله، وما أوقعه بعد الطلاق الأول هو لازمٌ له؛ مراعاةً لقول ابن وهب رحمه الله، الذي يصحح الرجعة بالوطء، ولو لم يصحبها نيّة إرجاع ولا قول؛ ويكون هذا الطلاق طلاقًا بائنًا بينونةً صغرى؛ لأنّه كالطلاق في نكاحٍ مختلف فيه، قال البناني رحمه الله: “وَيَتَعَيَّنُ كَوْنُ الطَّلَاقِ اللَّاحِقِ بَعْدَ انْقِضَاءِ الْعِدَّةِ بَائِنًا؛ لِأَنَّ الْقَائِلَ بِلُحُوقِهِ هُوَ أَبُو عِمْرَانَ، وَقَدْ عَلَّلَهُ بِأَنَّهُ كَالطَّلَاقِ فِي النِّكَاحِ الْمُخْتَلَفِ فِيهِ، وَهَذَا بَائِنٌ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَ رَجْعِيًّا لَلَزِمَ إقْرَارُهُ عَلَى الرَّجْعَةِ الْأُولَى، وَالْمَشْهُورُ بُطْلَانُهَا” [منح الجليل: 4/182]، ولا فائدة من إرجاع الزوجة بعد وقوع الطلقة الثانية؛ لأنه طلاق بائن بينونة صغرى، لا يصح معه رجعة.

وأما الولد الذي حصل من هذا الوطء الفاسد، فيُلحقُ بالزوج؛ لأن الوطءَ كان بشبهة، قال التسولي رحمه الله: “وَالْمَعْنَى أَنَّ النِّكَاحَ الْفَاسِدَ كَانَ مُتَّفَقًا عَلَى فَسَادِهِ كَنِكَاحِ ذَاتِ مَحْرَمٍ أَوْ خَامِسَةٍ أَوْ مُخْتَلَفًا فِي فَسَادِهِ كَالْمُحْرِمِ، وَالشِّغَارِ إِنْ دُرِئَ فِيهِ الْحَدُّ عَنِ الزَّوْجِ بَعْدَ عِلْمِهِ فِي الْأُولَيَيْنِ وَمُطْلَقًا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْخِلَافَ وَلَوْ خَارِجَ الْمَذْهَبِ يدْرَأُ الْحَدَّ، فَإِنَّهُ يُلْحَقُ فِيهِ الْوَلَدُ” [البهجة: 1/430].

وأما تعليق الزوج طلاق زوجته على إطعام ابنه، وهو عاص لأمره ببدئه في العمل فلا يقع، وإن وقع المعلق عليه -وهو الإطعام حال كون الابن يعمل- لأنه لم يصادف محلّا، فالزوج لم يرجع زوجته إلى عصمته بعقد جديدٍ، بعد أن بانتْ منه بينونةً صغرى في الطلقة الثانية.

عليه؛ فالزوج قد لزمته طلقتان، الطلقة الأولى التي أوقعها سنة 1996م، ولا عبرة بما أُفتِيَ به من كفارة اليمين، ولزمته الطلقة الثانية التي أوقعها سنة 2007م، وقد بانت منه زوجته بها بينونة صغرى، وأمّا الطلقة الثالثة التي أوقعها 2022م فغير واقعة؛ لأنها لم تصادف محلّا، والزوجة الآن بائنة من زوجها بينونة صغرى، وعلى الزوج إن أراد إرجاعها أن يستبرئها – أي أن يكفّ عن معاشرتها – إلى أن تحيض ثلاث حيضات، أو مدة ثلاثة أشهر إن بلغت سنَّ اليأس، ثم عليه أن يجدّد العقد عليها بصداقٍ ووليٍّ وشاهدين، وعليه أن ينتبه لنفسه بأن يتجنب الطلاق؛ لأنه إذا طلّق مرة أخرى فإنّ المرأة تحرم عليه، ولا تحلّ له حتى تنكح زوجًا غيره نكاح رغبة، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم 

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

حسن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

02//ربيع الأول//1445هـ

17//09//2023م    

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق