بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2645)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
امرأة تم تعيينها مُدَرّسة في إحدى المدارس، ولكنها لم تباشر العمل مطلقًا، ومرتبها ينزل في حسابها منذ سنين، وكان والدها هو الذي يأخذ مرتبها لسنين مضت، والآن يطالبها والدها بإعطائه دفتر الشيكات؛ لسحب المرتب لصالحه، ويرى أن له الحق فيه؛ لكونه سعى في تعيينها، ويهددها – إن لم تفعل – بعدمِ الرضا، وبإفساد عيشتها مع زوجها وأبنائها، فقامت بالاستقالة وإغلاق حسابها، فما حكم ذلك؟ وما نصيحتكم لبعض مسؤولي التعليم ومديري المدارس، الذين يعينون بعض الموظفين، وهم يعلمون أنّهم لا يباشرون أعمالهم؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالأصل أن المرتبات المدفوعة من قبل الدولة هي نظير عمل، فالعامل أو الموظف الذي لا يؤدي عمله، لا يحل له أخذ مرتبه؛ وهو من أكل المال بالباطل، والله تعالى يقول: )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ ([النساء:29]، وعلى السائلة وأبيها وكل من أخذ شيئًا من هذه المرتبات بغير عمل أن يتوب إلى الله تعالى، ويرد ما أخذه إلى خزانة الدولة؛ قال صلى الله عليه وسلم: (على اليدِ ما أخذت حَتى تؤدِّيه) [أحمد:20086].
وعليهم أن يتقوا الله تعالى، ويحذروا عقابه؛ قال صلى الله عليه وسلم: (واللهِ لا يأخذُ أحدٌ منكم شيئًا بغيرِ حقِّه إلا لقيَ اللهَ يحملُه يومَ القيامة) [البخاري:28/9]، وقال صلى الله عليه وسلم: (وإنّ هذا المال خضِرةٌ حلوة … وإنه مَن يأخذه بغيرِ حقّه كالذي يأكل ولا يشبعُ، ويكون شهيدا عليه يوم القيامة) [البخاري:532/2]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن رجالا يتخوَّضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة) [البخاري:3746].
وقد أحسنت السائلة بتقديم استقالتها وإغلاق حسابها، وليست عاقة بعدم تمكين أبيها من أكل الحرام، بل هذا من البر به، وعليها نصحه بالتي هي أحسن.
وأما مسؤولو التعليم ومديرو المدارس وغيرهم، الذين يعينون بعض الموظفين، أو يتوسطون في ذلك، وهم يعلمون أنّهم لا يصلحون لهذه الوظيفة، أو لا يباشرون أعمالهم، أو يصرفون لهم المرتبات دون تكليفهم بعمل، أو دون التحقق من خلوهم من عمل آخر، أو يتسترون عليهم، فهم بذلك آثمون وعلى خطر عظيم؛ لأنهم يهدرون المال العام، ويفرطون فيه، وحرمة المال العام أعظمُ من حرمة المال الخاص؛ لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدُّد الذِّمَمِ المالكةِ له، ولقد أنزله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه منزلةَ مال اليتيم، الذي تجب رعايتُه وتنميتُه، ويحرم أخذه بغير وجه حق، والتَّفريط فيه [مصنف ابن أبي شيبة:32914]، والله تعالى يقول: (إِنَّ الذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا)[النساء:10]، وهم جميعا ضامنون للمال العام الذي أهدروه، ومسؤولون عنه شرعًا وقانونًا.
وعلى كل المسؤولين القيام بحق المناصبِ التي أُسندت إليهم، وهي أمانة، يُسئَلون عنها، وهي يوم القيامة خزيٌ وندامة، إلا مَن أخَذها بحقها، وقام بواجبه فيها خيرَ قيام، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه، لما سأله الولاية: (إنها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدَّى الذي عليه فيها) [مسلم:1825].
ومِن الفساد الإداري والمالي والخيانة وتضييع الأمانة؛ أن يتم التعيينُ في الوظائفِ والمناصبِ العامةِ، على أساسِ القرابةِ والعائلةِ، والجهةِ والقبيلةِ، لا على أساسِ الأمانةِ والخبرةِ، والكفايةِ والمؤهلِ والمهارةِ، وتكافؤ الفرص، ونتيجته أكلُ الحرام، وانعدامُ العدلِ والأمنِ والتنميةِ والاستقرارِ، وضياعُ حقوقِ الضعفاءِ والفقراءِ، بل ضياعُ الوطنِ بأسرهِ، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
أحمد محمد الكوحة
غيث بن محمود الفاخري
نائب مفتي عام ليبيا
21/المحرم/1437هـ
2015/11/03م