حكم عمل المحاكم بقانون الوصية الواجبة في الميراث
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
الفتوى (5322)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
توفي زوجي عام 2011م، ولي منه ثلاثة أولاد وبنت، أكبرهم 5 سنوات، وأصغرهم 5 أشهر، فكنت أنا الوصي عليهم في المحكمة، ثم توفي والده بعد عام، ولم يغرس أولاد ابنه، ولكن المحكمة أصدرت الفريضة الشرعية مُضمِّنةً فيها أولادي بالوصية الواجبة، والآن يريد إخوة زوجي بيع عقار لهم، ولا يمكنهم البيع حتى أوقع معهم على البيع، فهل أوقع – بصفتي وصيا لأولادي القُصَّر – دون أن آخذ شيئًا من المال، أم أكون بذلك قد خنت أمانة الوصاية وضيعت حق أولادي؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن ما عملت به المحاكم من قانون الوصية الواجبة، وورّثت بموجبه أبناء الابن مع وجود الأبناء، هو قانون لم يستند إلى قول أحد من أهل العلم، وإنما هو تلفيقٌ من أقوالهم، على صورة لم يقل بها أحدٌ منهم، فالحكم المبني عليه منقوض؛ لأنه مخالف للنص والإجماع والقياس والقواعد، وحكم الحاكم إذا خالف واحدًا مما ذكر يُنْقَض، ولا يَرْفَع الخلاف، قال القرافي رحمه الله مبينًا ما يُنقض فيه قضاءُ القاضي: “إِذَا حَكَمَ عَلَى خِلَافِ الإِجْمَاعِ يُنقضْ قَضَاؤُه، أَوْ خِلَافِ النصِّ السَّالمِ عَنْ الْمُعَارِضِ، أو القياسِ الْجَلِي السَّالِم عَنِ الْمُعارِض، أَوْ قَاعِدة مِنْ الْقَوَاعِدِ السَّالِمَةِ عَنْ الْمُعَارِضِ” [الفروق: 4/40].
وليحذر المسلم أن يأخذ مالًا ليس من حقه، ولو كان مؤيَّدًا بقوة القانون؛ لأنّ حكم القاضي لا يُحِلُّ حرامًا، يقول النبي صلى الله عليه وسلم: (إنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إلَيَّ، ولَعَلَّ بَعْضَكُمْ أنْ يَكونَ ألْحَنَ بحُجَّتِهِ مِن بَعْضٍ، فأقْضِيَ له علَى نَحْوٍ ممَّا أسْمَعُ منه، فمَن قَطَعْتُ له مِن حَقِّ أخِيهِ شيئًا، فلا يَأْخُذْهُ، فإنَّما أقْطَعُ له به قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) [البخاري:6967،ومسلم: 1713]، وقد نص الفقهاء على أن حكم الحاكم لا يحلّ حرامًا، وهذا في الاجتهاد المعتبر المبني على ظاهر الأحكام، فكيف وهذا الحكم مخالف للنصّ والإجماع والقياس؟
فالذي يُنصح به في هذه الحالة، أن توقّع السائلة على الاستلام؛ ليتمكن أصحاب الحق من استيفاء حقهم ببيعه، ثم تتجه مع الورثة إلى محرّر عقود، فتحرر معهم عقدًا بشاهدين، على أنها إنما وقعت توقيعًا صوريًّا، وأنها لم تستلم شيئًا من المال؛ لأنه لا يجوز شرعًا، وترفق صورة من هذه الفتوى؛ لتدفع عن نفسها بذلكَ قالةَ الناس، ولعلها تتلافى ما يمكن أن يقعَ لها من المساءلةِ القانونية فيما بعد.
كما يُنصح الأعمامُ أن يعطوا أبناء أخيهم المتوفى ما يطيبون به خواطرهم؛ لقول الله تعالى: (وَإِذَا حَضَرَ ٱلۡقِسۡمَةَ أُوْلُواْ ٱلۡقُرۡبَىٰ وَٱلۡيَتَٰمَىٰ وَٱلۡمَسَٰكِينُ فَٱرۡزُقُوهُم مِّنۡهُ) [النساء: 8]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن بن حسين قدوع
عصام بن علي الخمري
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
15/ربيع الأول/1445هـ
01/أكتوبر/2023م.