بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5329)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
نحن لجنة إدارية بأحد المساجد، التابعة لأوقاف تاجوراء، ونريد بيان الحكم الشرعي في السؤالين التاليين:
السؤال الأول: عندنا عدد كبير من المصاحف الموقوفة على مكتبة المسجد، فوقَ احتياج المسجد بكثير، حيث إنَّ أكثر من نصف المصاحف لا يقرأ فيه أحد، وقد طلبتْ منَّا بعضُ لجان الإغاثة إرسالَها إلى درنة، فهل يجوز ذلك، أم نعطيها لمسجد آخر، أم تبقى في مكتبة المسجد؟ علمًا أنه إن أرسلناها إلى درنة لا ندري إن كانت ستوضع في مكتبة مسجد، أم ستوزَّع على الناس.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالأصل أنَّه لا يجوز تغييرُ الوقف عمَّـا وُقِف عليه، أو استبدالُه بغيره، مادامت منفعتُه لم تنقطع، ومصرِفه لم يتعطَّل؛ لأنَّ شرط الواقف كنصِّ الشارع ما لم يخالف الشرع؛ لقول الله تعالى: ﴿فَمَنۢ بَدَّلَهُ بَعۡدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثۡمُهُ عَلَى ٱلَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ﴾ [البقرة:181]، وقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر في صدقته: (أَمْسِكْ أَصْلَهَا، وَسَبِّلِ الثَّمَرَةَ)، وقول عمر رضي الله عنه بعد ذلك: “لاَ يُبَاعُ وَلاَ يُوهَبُ وَلاَ يُورَثُ” [النسائي:6432].
وقد نقل الونشريسي عن الفقيه أبي عبد الله محمد بن حسون بن أيوب المزجلدي رحمه الله، عن كتب العلم تحبس باسم قصر بعينه أو مسجد بعينه، فهل يجوز أن يمضي بها إلى الدار للقراءة والنسخ؟ فأجاب بما نصه: “… وَأَمَّا الْمَصَاحِفُ فَهْيَ عَلَى شَرْطِ مُحَبِّسهَا إِنْ عُرِفَ شَرْطُهُ، وَإِن لَمْ يُعْرَف فَتولِّي مَن استغْنَى عنها أحْسَنُ، وَلَوْ أَنَّهَا بِمَكَانٍ يُخَافُ عَلَيْهِ الْفَسَادُ وَالتَّغَيُّرُ لِقِلَّةِ السَّاكِنِينَ وَعَدَمِ الْمُتَفَقِّدِينَ، لَكَانَ النَّظَرُ عِندِي فِيهَا أَن تُؤْوَى إِلَى مَكَانِ حِرْزٍ لَهَا وَحُسْنِ انتِفَاعٍ بِهَا هُوَ أَوْلَى، وَهَذَا إِذَا نَظَرَ فِيهَا مَن يُرِيدُ السَّلَامَةَ، وَيَعْرِفُ وُجُوهَ النَّظَرِ الَّذِي يَسْتَبْقِي بِهِ مَا يَحْسُنُ لَهُ أَن يَصْنعَ فِيهَا” [المعيار المعرب: 7/37].
وعليه؛ فلا حرج في نقلِ ما تُيُقِّن من عدم احتياج المسجد له من هذه المصاحف، إلى مسجدٍ آخرَ يحتاجها؛ لما يترتَّب على الإبقاء عليها في مكانها من الإخلال بقصد الواقف -وهو دوام الانتفاع بها، واستمرار وصول الثواب إليه- وأيضًا ما تقرَّر عند الفقهاء من أنَّه ما كان لله فلا بأس أن يستعان ببعضه في بعض.
ولا حاجة إلى إرسالها إلى درنة لمجرد الأحداث التي حلت بها؛ لأن أهل درنة لم تأت منهم شكوى بنقص المصاحف في المساجد، والله أعلم.
السؤال الثاني: عندنا عدد من المصاحف تبرَّع بها أحد المحسنين؛ لتُعطى للمشاركين في مسابقة قرآنية، أقيمت بالمسجد منذ سنوات، وبقي منها نحو خمسين مصحفًا زائدًا عن عدد المتسابقين، فهل يجوز إرسالها إلى درنة، أم نضعها في مكتبة المسجد، أم نعطيها لأحد مراكز التحفيظ، أم نعطيها للجنة مشرفة على إحدى المسابقات القرآنية؛ لتوزيعها على المشاركين فيها؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ اللجنة الإدارية بالمسجد، القائمة على تنظيم هذه المسابقة، هي وكيل عن المتبرِّع، والأصل أنَّ الوكيل ملزَمٌ باتّباع شرط موكِّله، وإلَّا كان متعدّيًا، وبما أنَّ هذه المصاحف قد تبرَّع بها صاحبها لغرض معيّن، وهو توزيعها على المشاركين في هذه المسابقة؛ فلا يجوز إعطاء ما زاد منها لغيرهم، والواجب الآن ردُّ المصاحف الزائدة إلى صاحبها، أو استئذانه في التصرف فيها في أغراضٍ أخرى مشابهة، فإن تعذَّر الوصول إليه، جاز للَّجنة التصرف في هذه المصاحف في أغراضٍ مشابهة لقصد المتبرع، وهو إعطاؤها للجنة تشرف على تنظيم المسابقات القرآنية؛ لتوزِّعَها على المشاركين فيها.
وأما ما يتعلق بإرسالها إلى درنة فكالجواب السابق، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
24//ربيع الأول//1445هـ
09//10//2023م