طلب فتوى
الإجارةالفتاوىالمعاملات

وجوب التزام الموظف بالبنود والشروط المدرجة في عقد توظيفه

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (2684)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

أنا أستاذ في الجامعة، ويُطلب منّا قبلَ بدايةِ الفصلِ الدراسيّ تعبئةُ نموذجٍ يحوِي ساعاتِ المحاضراتِ الأسبوعيةِ، ويسمحُ القانونُ بإضافةِ ساعاتٍ بحثيةٍ ومكتبيةٍ وإداريةٍ، بحيث لا تتجاوزُ ساعات المحاضراتِ 10 ساعات، والساعاتُ الأخرَى 14 ساعةً، والمجموع 24 ساعةً أسبوعيًّا، ونقومُ بملءِ الحدِّ الأعلى مِن الساعاتِ المتاحةِ (24 ساعة)، فساعاتُ المحاضراتِ نؤدِّيها كاملةً؛ بإعطاءِ المحاضراتِ، والمراقبةِ في فترةِ الامتحانات، وأما الساعاتُ الأخرى فيتعذرُ علينا التواجدُ في الجامعةِ لأدائِها؛ لأنها تقعُ في مدينة أخرى، ولا توجدُ بها مكاتب يمكن أداءُ هذه الساعاتِ بها، فنضطر للقيام بها وأكثر منها في البيتِ؛ بتحضيرِ المحاضرات، وتجهيزِ وسائلِ الإيضاحِ، وتصحيحِ الامتحاناتِ، فما حكمُ ذلك؟ علمًا بأنه قد تمّ قبلَ حوالي شهر توفير مكتب خاص بالقسمِ، به طاولتانِ وعدةُ كراسِي.

الجواب:

الحمدُ لله، والصلاةُ والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالموظف إذا قَبِلَ العملَ فمعناه؛ أنه رضيَ بالشروطِ المبرمةِ بينه وبين جهةِ العمل، بمقتضَى القوانين واللوائحِ المعمولِ بها؛ فيجب عليه الالتزام ببنود العقد وشروطه، قال تعالى) :يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ ([المائدة:1]، وصح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنّه قال: (المسلمون على شروطهم) [أبوداود:3594]، ولأن العقد هو شريعةُ المتعاقدين، ووقتُ الدوامِ المتفقِ عليه ملكٌ لجهة العمل، ولا يحقّ للموظفِ الغياب، ولا الخروج في وقت العمل، إلا بإذن ممن يحق له الإذن، وخروجُ الموظف أثناء الدوام الرسمي، غير مبالٍ ولا مكترثٍ بالعمل، يعتبرُ مِن عدم الانضباط، والتفريطُ والتهاونُ في الأداءِ الوظيفي، وفي الواجباتِ والمسؤوليات، وعدم الانضباط، يؤدّي إلى الظلم، وإضاعةِ الحقوقِ والمال العام، والفساد، وكل ذلك محرم شرعًا؛ لأن الله تعالى يقول: )وَلا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ( [القصص:77]، ويقول تعالى:) وَاللَّهُ لاَ يُحِبُّ الْفَسَاد) [البقرة:205].

عليه؛ فإنّ على المدرس في الجامعة، أن يلتزمَ بالجدول والنموذج الذي عبّأه، ووقع عليه، فلا يحل له من مرتبه، إلا ما يقابل ساعات المحاضراتِ، التي أداها تامة، والزائد على ذلك هو من اختلاس المال العام، لا حقَّ له فيه.

وكذلك الساعات البحثية والمكتبية والإدارية؛ لا يحل له منها إلا ما أداه على وجهه المطلوب والمقصود، حسب القانون واللوائح المنظمة له، وأما ما يقوم به المدرس في البيت – مما ذكر في السؤال – فهو من صميم عمله وواجبِه تجاه طلابه، والمواد التي يدرسها، ولا علاقةَ لذلك بالساعات المذكورة.

فإذا كانت هذه الساعات لا يمكن للمدرس القيام بها حسب المطلوب، لأيّ سببٍ كان، فلا يجوز له – ابتداءً – أن يملأ النموذج الخاص بها، ولا يجوز للمسؤولين في الجامعة قبول ذلك، ولا التمكين منه، ولا المكافأة عليه، وهم يعلمون أنه لا يمكن للمدرسين القيام بالمطلوب، لعدم توفر المكان أو لعجز المدرسين عن ذلك، بسبب الظروف الخاصة أو العامة.

وليعلم المسؤولون أنهم بذلك آثمون، وعلى خطر عظيم؛ لأنهم يهدرون المال العام، ويفرطون فيه، وحرمة المال العام أعظمُ من حُرمة المال الخاص؛ لكثرةِ الحقوقِ المتعلقة به، وتعدُّد الذِّمَمِ المالكةِ له، ولقد أنزله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه منزلةَ مال اليتيم، الذي تجب رعايتُه وتنميتُه، ويحرم أخذه بغير وجه حق، والتَّفريط فيه [مصنف ابن أبي شيبة:32914]، والله تعالى يقول: (إِنَّ الذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النساء:10]، وهم جميعًا ضامنونَ للمال العامّ الذي أهدرُوه، ومسؤولونَ عنه شرعًا وقانونًا، والإدارة والمسؤولية أمانة، وهي يومَ القيامة خزيٌ وندامةٌ، إلا مَن أخَذها بحقّها، وقام بواجبه فيها خيرَ قيام، وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأبي ذر رضي الله عنه، لما سأله الولاية: (إنّها أمانة، وإنها يوم القيامة خزي وندامة، إلا من أخذها بحقها، وأدَّى الذي عليه فيها) [مسلم:1825]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد ميلاد قدور

أحمد محمد الكوحة

 

غيث بن محمود الفاخري

نائب مفتي عام ليبيا

3/صفر/1437هـ

2015/11/15م

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق