طلب فتوى
الآداب والأخلاق والرقائقالفتاوى

ما حكم من يسب العلماء؟ وما الواجب نحوهم؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5439)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

ما حكم من يسب العلماء؟ وما الواجب نحوهم؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن سب المسلم أخاه المسلم من كبائر الذنوب، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُواْ فَقَدِ ‌احْتَمَلُواْ بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا) [الأحزاب: 58]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (سِبَابُ الْمُسْلِمِ ‌فُسُوقٌ، وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) [البخاري: 7076].

وقوله صلى الله عليه وسلم: (وَقِتَالُهُ كُفْرٌ) ليس كفرا يخرج عن الملة، ولكنّه سمّي كفرا على وجه التغليظ؛ لأن هذا العمل من أعمال أهل الكفر، وليس من أعمال أهل الإسلام، فهو من باب قولهم كفرٌ دون كفر.

وتزداد كبيرة السب إثمًا على إثم إن كان السبُّ في حق عالم من علماء المسلمين، فالعلماء ورثة الأنبياء، كما في الحديث عن أبي الدرداء رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (وَإِنَّ ‌الْعُلَمَاءَ ‌وَرَثَةُ ‌الْأَنْبِيَاءِ، وَإِنَّ الْأَنْبِيَاءَ لَمْ يُوَرِّثُوا دِينَارًا، وَلَا دِرْهَمًا، إِنَّمَا وَرَّثُوا الْعِلْمَ، فَمَنْ أَخَذَهُ أَخَذَ بِحَظٍّ وَافِرٍ) [الترمذي: 2682].

وسب العلماء يؤدي إلى الطعن والقدح في الشريعة؛ لأن سبَّهم لا يقتصر على أشخاصهم، وإنما يتعدَّى إلى ما يحملونه من علم، وفي ذلك هدم لشريعة الإسلام.

فمن تجرَّأ على سبَّ علماء الشريعة فقد اقترف كبيرتين من كبائر الذنوب، كبيرة سب وإيذاء المسلمين، وكبيرة الطعن في الدين، قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله: “وَاعْلَمْ يَا أَخِي وَفَّقَنَا اللهُ وَإِيَّاكَ لِمَرْضَاتِهِ، وَجَعَلَنَا مِمَّنْ يَخْشَاهُ وَيَتَّقِيهِ حَقَّ تُقَاتِهِ، أَنَّ لُحُومَ الْعُلَمَاءِ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ ‌مَسْمُومَةٌ، وَعَادَة اللَّهِ فِي هَتْكِ أَسْتَارِ مُنْتَقِصيهِمْ مَعْلُومَةٌ؛ لِأَنَّ الْوَقِيعَةَ فِيهِمْ بِمَا هُمْ مِنْهُ بَرَاءٌ أَمْرُهُ عَظِيمٌ، وَالتَّنَاوُلُ لِأَعْرَاضِهِمْ بِالزُّورِ وَالاِفْتِرَاءِ مَرْتَعٌ وَخِيمٌ” [تبيين كذب المفتري: 29].

والواجب على من سمِعَ شخصًا يسبُّ عالمًا من علماء المسلمين أن يُنكِر عليه فعله هذا، وأن ينصحه بالتوبة والإقلاع عن هذه الكبيرة، ويجب على كل مسلم أن يهجر المجالس التي فيها سبٌّ للعلماء، واستهزاءٌ بدين الله، قال تعالى: (وَإِذَا رَأَيْتَ الَّذِينَ ‌يَخُوضُونَ فِي ءَايَاتِنَا فَأَعْرِضْ عَنْهُمْ حَتَّى يَخُوضُواْ فِي حَدِيثٍ غَيْرِهِ وَإِمَّا يُنسِيَنَّكَ الشَّيْطَانُ فَلَا تَقْعُدْ بَعْدَ الذِّكْرَى مَعَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ) [الأنعام: 68].

وهذا – كما قال الحافظ ابن عساكر رحمه الله – إذا كان تناول أعراضهم بالزور والتحامل عليهم، أما إذا كان من باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والتنبيه على خطورة كتمان العلم، أو التحذير من علماء السوء، الذين يُعينُون الظلمة من الحكام على ملاحقة العلماء والصالحين، وإيداعهم السجون، ويوالون الصهاينة وأعداء الدين، ويبطلون الجهاد في سبيل الله، فالتحذير منهم حتى لا يغتر بهم الناس أمرٌ مشروع، بل مرغب فيه، إذا صلحت النيات، قال الله تعالى: (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُواْ مِنم بَنِي إِسْرَآءِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَواْ وَّكَانُواْ يَعْتَدُونَ كَانُواْ ‌لَا ‌يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَ) [المائدة: 78-79]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ، وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى) [البخاري: 1]، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

عبد العالي بن امحمد الجمل

أحمد بن ميلاد قدور

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

13//جمادى الآخرة//1445هـ

26//12//2023م  

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق