بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2697)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
مسجدُ أوقاتٍ قديم بمنطقة تاجوراء، يُسمى مسجد الظهرة، تريد لجنة المسجد إزالته، أو تحويله إلى مركز تحفيظ؛ لأن مساحته بمرافقه صغيرةٌ جدًّا (222م2)، مع بناء مسجد جديد في أرضٍ ملاصقة له، محبسة على مسجدِ مراد آغا، فهل يجوز ذلك؟ علمًا بأنه توجدُ أرضٌ واسعةٌ، تبرعَ بها شخصٌ حاليّا لبناء مسجد، وهي قريبةٌ جدا، فليس بينها وبين مسجد الظهرة إلا بيتٌ، مملوك لبعض الناس.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالواجب اتباع شرطِ الواقف في الأرض المحبسة، فلا يجوزُ مخالفته؛ لأن شرط الواقف كنص الشارع، إلا إذا خالف الشرع، قال المواق رحمه الله: “(واتبع شرطه إن جاز)، قال ابن الحاجب: مهما شرط الواقف ما يجوز له اتبع، كتخصيص مدرسة أو رباط أو أصحاب مذهب بعينه” [التاج والإكليل:649/7]، فلا يجوز التبديل والتغيير فيما أوصى به المحبس؛ لقول الله تعالى: (فَمَنْ بَدَّلَهُ بَعْدَ مَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) [البقرة:181].
وعليه؛ فإذا كان المسجد القديم مؤديًا للغرض، ويتسع لأهل القرية بوضعه القائم، أو بتجديدِه وتوسعتِهِ، إن كان يضيقُ على المصلين، ولو بإعادةِ بنائه أكثر مِن طابق، فالواجبُ الاكتفاء به، وعدم تحويله إلى مركزِ تحفيظ، ولا بناء مسجدٍ بدله، في الأرضِ المحبسة على مسجدِ مراد آغا، لمخالفة ذلك شرط الواقف.
وكذلك لا يجوزُ بناء مسجد في الأرض الأخرى القريبة من مسجد الظهرة؛ لأن ذلك سيؤدي إلى تعطيلِ المسجد القديم، أو تفريقِ الجماعة، ولأن المسجد القديم كافٍ لصلاةِ الجماعة، مع وجودِ مساجدَ قريبةٍ في المنطقة، تُقام فيها الجمعة، قال أبو عبدالله القرطبي رحمه الله: “قال علماؤنا: لا يجوز أن يُبنى مسجدٌ إلى جنب مسجدٍ، ويجبُ هدمه، والمنع مِن بنائه؛ لئلا ينصرف أهلُ المسجد الأول، فيبقى شاغرًا” [تفسير القرطبي:254/8].
والأرض القريبة منه، الموقوفة لبناء مسجد، مادام الناس غير محتاجين لبناء مسجد في تلك الجهة، يمكن للواقف – إن كان حيًّا – أن يجعلها وقفًا على تعمير المساجد القائمة، وعلى إنشاءِ معاهد العلم؛ لتخريج العلماءِ والدعاة، وعلى الإنفاقِ في سبيل الله، وفي مشاريعِ البر والخيرِ والدعوة، وذلك بإقامةِ مشروعٍ استثماريٍّ على هذه الأرض، يُصرف ريعه فيما ذُكر، فهذا أعظم أجرًا إن شاءَ الله.
ويجب الرجوع في استثمار أراضي الوقف للجهةِ المختصة – وهي وزارة الأوقافِ والشؤون الإسلامية – لتراقبَ القائمين على نظارةِ هذا الوقف، وصحة عقدِ استثماره، وملاءمتِه، وعدمِ المحاباة فيه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
أحمد محمد الكوحة
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
10/صفر/1437هـ
22/نوفمبر/2015م