نقض حكم القاضي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2721)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
نملك أرضًا معينة، نتصرفُ فيها بأنواع التصرفاتِ منذ عشراتِ السنين، ثم نازعَنا شخصٌ في بعضِها مؤخرًا، فحكم القضاء بعدم أحقيته، بعد ندبِ خبيرٍ قضائيٍّ اطلعَ على محلِّ النزاعِ، فطعنَ عليه المدعي، فندبت المحكمة ثلاثةَ خبراءَ، فوافق تقريرُهم تقريرَ الأول، فحكمت به، ووافقَ ذلك شهادات كثيرٍ من أهل البلد، ثم رفع المدعي دعاوى؛ عندما شرعنا في البناء، وعندما قمنا بإجراءات التسجيل العقاري؛ فرفضت المحكمة دعواه في المرتين، وبعد وفاته نازعَنَا ابنُه، فتدخلَ بعضُ الناس مطالبينَ بتحكيمِ شرعيٍّ، فهل يجوز للمحكمين النظر في حكمِ القاضي؟ علما بأن الابن المنازِع لم يأت بجديدٍ، وبعض الأحكام المذكورة صدرت ضدَّه بعد وفاةِ والده.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن القاضي إذا نظر في مسألة وحكم فيها لا يجوز تعقبه، ولا نقض حكمه؛ لأن حكم القاضي ملزمٌ، ويرفعُ الخلاف، ولا يُنقض إلا إذا خالفَ نصًّا صحيحا صريحا مِن كتابٍ أو سنةٍ، أو خالفَ إجماعًا أو قياسًا جليًّا، قال القرافي رحمه الله في الفروق، مبينًا ما يُنقض فيه قضاءُ القاضي: “وهو الحكم الذي خالف أحدَ أربعة أمور: إذا حكم على خلافِ الإجماع يُنقض قضاؤه، أو خلافِ النصِّ السالم عن المعارِضِ، أو القياسِ الجلي السالم عن المعارِض، أو قاعدة من القواعد السالمة عن المعارض” [40/4]، والذي ينقضه حينئذ هو القاضي نفسه، أو قاضٍ مثله، ولا يحق لمفتٍ ولا حَكَمٍ نقضه، ولكن إذا كنت تعلم أنّ لخصمك حقًّا في الأرض، فيجب عليك رده إليه؛ لأن حكم القاضي لا يحل الحرامَ، ولا يحرمُ الحلال، وإنما يجتهد في معرفة الصواب، بحسب ما يظهر له، وقد يخطئ؛ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، وَإِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ، فَأَقْضِي عَلَى نَحْوِ مَا أَسْمَعُ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا، فَلاَ يَأْخُذْهُ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ) [البخاري:7168،مسلم:1713]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
محمد علي عبد القادر
أحمد ميلاد قدور
غيث بن محمود الفاخري
نائب مفتي عام ليبيا
25/صفر/1437هـ
07/ديسمبر/2015م