بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2725)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
توجد مقبرةٌ صغيرةُ وقديمةٌ جدًّا، بمنطقةِ (رأس حسن) بطرابلس، كانت خاصةً بدفنِ الأطفالِ حديثي الولادة، ولم يُدفن فيها منذ سنة 1976م، وصارت الآن مكبًّا للقمامة ومخلفاتِ البناء، يريد أهلُ المنطقة اتخاذها حديقةً للأطفال، أو صالةً للمناسباتِ، أو موقفًا لسيارات المصلين في المسجدِ الجامعِ المقابلِ لها، فما حكم ذلك؟ علمًا بأن مختار المحلة، ورئيس قسم خدمات المقابر، لا مانعَ عندهم مِن ذلك.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالأصل أن لا يُتصرف في المقبرة بأي نوع من أنواع التصرف؛ لأن القبر حبس على صاحبه ما دامَ فيه، ويحرم نبشه، مادام به شيءٌ من عظامِه غير عَجْب الذَنَب، قال ابن الحاج رحمه الله: “… وذلكَ أنّ العلماءَ رحمة الله عليهم قد اتفَقوا علَى أَنّ الْمَوْضعَ الَّذِي يُدْفَنُ فِيهِ الْمُسْلِمُ وَقْفٌ عَلَيْهِ، مَا دَامَ شَيْءٌ مِنْهُ مَوْجُودًا فِيهِ، حَتَّى يَفْنَى، فَإِنْ فَنِيَ فَيَجُوزُ حِينَئِذٍ دَفْنُ غَيْرِهِ فِيهِ، فَإِنْ بَقِيَ فِيهِ شَيْءٌ مِن عِظَامهِ فَالْحُرْمَةُ بَاقِيَةٌ لِجَمِيعِهِ” [المدخل:18/2]، وقال الدردير رحمه الله: “(ولا ينبش) أي: يحرم (مادام) الميت أي: مدة ظن دوام شيء من عظامه غير عجب الذنب (به) أي: فيه”[الشرح الكبير على مختصر خليل:428/1]، ولأن فيه إيذاءً للأموات، فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (كسرُ عظمِ الميتِ ككسرِه حيًّا) [أبوداود:3207]، إلا إذا تبين أن العظام قد بليت تمامًا في هذه المقبرة، وصارت رميمًا، فإنه يجوز لكم حينئذ ردمُ هذه المقبرة.
والدفنُ فيها من جديد، أو غيره، مما يخدمُ المصلحةَ العامة، أخذًا بمذهبِ جمهور الفقهاء؛ قال ابن عابدين الحنفي رحمه الله: “وقال الزيلعي: ولو بلي الميت وصار ترابًا، جاز دفن غيره في قبره، وزرعه، والبناء عليه” [رد المحتار على الدر المختار:233/2]، وقال النووي الشافعي رحمه الله: “يجوز نبش القبر إذا بلي الميت وصار ترابا، وحينئذ يجوز دفن غيره فيه، ويجوز زرع تلك الأرض، وبناؤها، وسائر وجوه الانتفاع والتصرف فيها باتفاق الأصحاب، وإن كانت عارية رجع فيها المعير، وهذا كله إذا لم يبق للميت أثر من عظم وغيره” [المجموع شرح المهذب:303/5]، وقال الحجاوي الحنبلي رحمه الله: “وإذا صار رميما جازت الزراعة وحرثه وغير ذلك، وإلا فلا، والمراد إذا لم يخالف شرط واقف؛ لتعيينه الجهة” [الإقناع:235/1].
عليه؛ فيجوز لكم استغلال أرض هذه المقبرة في الصالح العام، إذا فنيت عظام الموتى، وإن كان المعروف عند أهل الخبرة أن المدة المذكورة في السؤال لا تكفي لفناء العظام، فإذا تحققتم مِن فنائها، فالأنسب مما ذكر اتخاذها موقفا للسيارات وقت الصلاة؛ لأن فيه إعانة على الطاعة، ومنعا للضرر، ثم حديقة للأطفال، ويمكن الجمع بينهما، أما اتخاذها صالةً للمناسبات فلا ننصح بها؛ لأنها لا تخلو من المنكرات، ويصعب ضبطها، سواء كانت أفراحًا أو مآتم، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
محمد علي عبد القادر
أحمد محمد الكوحة
غيث بن محمود الفاخري
نائب مفتي عام ليبيا
28/صفر/1437هـ
10/ديسمبر/2015م