حكم شراء عقار مغصوب بالقانون الجائر رقم (4)
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5487)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
اشترى والدي شقة بطرابلس في تسعينات القرن الماضي، وكانت كلُّ أوراقِها وإجراءاتها قانونية بمَا لا يدعُ مجالًا للشكّ، والشراءُ تم من البائعِ والشقةِ تحتَ يده، وفي عام 2016م توفي والدي فانتقلتِ الشقة إلى الورثة، لكن تبينَ لنا الآن أنَّ الدولةَ كانت استولتْ على الشقةِ بقانون رقم (4)، ووالدي لا يعلمُ بهذا الأمر إلى أن ماتَ، بل كان يظنُّ أنها ملكٌ خالص لمن اشتراهَا منه، فهل يلحقُ والدي إثمٌ لشرائهِ هذه الشقة؟ وما هو الإجراءُ الشرعي والقانوني الذي يمكن فعله لضمانِ حقنَا، مع عدمِ الوقوعِ في أيّ مخالفة شرعية؟ مع العلم أن أصحابَ العقار الأصليينَ لهم الآنَ إجراءٌ في المحكمة للمطالبة باسترجاعِ العقارِ، وحسبَ ما بلغنا أنهم لم يستلمُوا أيّ تعويضٍ من الدولة، مع العلمِ أننا لا نعرفُ بائعَ الشقةِ لطولِ العهدِ.
الجواب:
الحمدُ لله، والصلاةُ والسلامُ على رسولِ الله، وعلى آله وصحبه ومَن والاهُ.
أما بعدُ:
فإذا استولتِ الدّولةُ على العقارِ المذكورِ، وكان أصلُ هذا العقار مملوكًا لِصَاحِبِهِ، ولم تدفعِ الدولةُ لصاحبِ العقار الأصليّ عوضًا، أو دفعتْ عوضًا بخسًا، لم يرضَ به في ذلكَ الوقت، ففعل الدّولةِ حينها تعَدٍّ وغصبٌ محرمٌ، لا يثبتُ به حقّ لحائز العقار، قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (لَيْسَ لِعِرْقِ ظَالِمٍ حَقٌّ) [أبوداود: 3075]، ولا يجوزُ شراءُ سلعةٍ مغصوبة؛ فمَن اشتراها وهو يعلم أنها مغصوبةٌ؛ فهو والغاصبُ في الظلمِ سواء، وشراؤُه عدمٌ، فلا يفيدُ ملكًا، وإن كان غيرَ عالم بالغصب فليس متعدِّيا ولا إثمَ عليه، لكن يجبُ عليه بعد علمِه أن يسويَ أمرَه مع المالكِ الأصليّ للعقار، إمّا بالشراءِ، أو الإجارة، أو ردِّ المغتَصبِ إلى صاحبه، ويرجعُ بالثمن الذي بذل قيمته على البائع الذي اشترى منه، لا على المالك، فالمالكُ أحقّ بمالِه إذا وجدَ عينه عند آخر؛ لقولِ النبيّ صلى الله عليه وسلم: (مَنْ وَجَدَ عَيْنَ مَالِهِ فَهْوَ أَحَقُّ بِهِ) [أبوداود:5333].
عليه؛ فإنَّ كان الحالُ ما ذكر في السؤالِ، فلا إثمَ على الوالدِ الذي اشترَى الشقةَ المغصوبةَ وهو غيرُ عالمٍ بالغصبِ، لكن إن كان اشترى الشقة دون بحث واستفصال عن ملكيتها فهو مقصر في ذلك الوقت؛ لأن الأملاك في بلادنا شاع فيها الغصب والتملك غير المشروع، فالشراء دون بحث واستفصالٍ تقصيرٌ؛ لذا ينبغي على الورثة المسارعة إلى التخلص من تبعات العقار إما بشرائه من مالكه أو تأجيره منه أو رده إليه، إبراءً لذمتهم وذمّة والدهم.
وبقاؤهم في المكان مِن غيرِ رضَا المالكِ بعد علمهم بالغصب إثمٌ ومعصيةٌ لا يحلّ، ثم لهم مطالبةُ مَن باع لوالدهم الشقةَ بالثمن الذي دفعه إليه الوالد، فإن تعذرَ الوصول إليه فلهم مطالبةُ الدولة بالتعويضِ عبرَ اللجان المشكلَة لهذا الغرضِ، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
عبد الرحمن بن حسين قدوع
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
24//رجب//1445هـ
05//02//2024م