طلب فتوى
الحدود و الجناياتالفتاوى

عقوبة كسر الأنف والفك والضرب على الأذن والبطن ونتف الشعر

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5495)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

اعتدى شخصٌ على آخَر فكسر أنفَه وفكَّه، وضربه على أذنه حتى سال منها الدم، وضربه على بطنه حتى فُتِقَت من الداخل، ونتف شعر لحيته وحلقَ ما تبقَّى منها، فما الواجبُ في هذه الجنايات؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فالأصلُ في جراح العمدِ – التي يمكن القصاص فيها دون ضررٍ – القصاصُ؛ لقوله تعالى: (وَٱلۡجُرُوحَ ‌قِصَاص) [المائدة: 45]، فإن لم يمكن القصاصُ وجبت الديةُ، إن كان الجرحُ ممّا فيه ديةٌ مقدرة، فإن لم تكن فيه دية مقدّرة فالواجب فيه التعويض المناسب للجناية بما يقدّره أهل الخبرة، وهو ما يسمّى الحكومة.

والجراح التي ذكرها السائل منها ما يُقتص منه، ومنها ما فيه حكومةٌ لعدم إمكان القصاص، وعدم ورودِ ديةٍ مقدّرة.

فالواجبُ في كسرِ الأنف عمدًا القصاص؛ لقوله تعالى: (وَٱلۡأَنفَ بِٱلۡأَنفِ) [المائدة: 45]، وقال ابن القاسم رحمه الله بعد أن سُئل عنه: “َإِنْ كَانَ عَمْدًا اُقْتُصَّ مِنْهُ، فَإِنْ بَرِئَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ وَصَارَ مِثْلَ الْمَجْرُوحِ الْأَوَّلِ أَوْ أَكْثَرَ فَلَا شَيْءَ لِلْأَوَّلِ، وَإِنْ كَانَ فِي الْأَوَّلِ عَثْلٌ [أي: كان في أنف المجني عليه عيبٌ] وَبَرِئَ الْمُقْتَصُّ مِنْهُ[أي: الجاني] عَلَى غَيْرِ عَثْلٍ، أَوْ عَثْلٍ وَهُوَ دُونَ الْعَثْلِ الْأَوَّلِ، اُجْتُهِدَ لِلْأَوَّلِ [أي: المجني عليه ] مِنْ الْحُكُومَةِ عَلَى قَدْرِ مَا زَادَ شَيْنُهُ [بأن يعطى بقدر ما زاد عيبه]” [المدونة 4/ 571].

وأمَّا كسرُ الفك إن لم يظهر منه العظم، وضَربُ الأذن دون أن تُقطَعَ أو يَذْهَبَ سمعُها، وكذلك فتقُ البطن؛ فإنَّ الواجب في كلّ ما ذُكِر الحُكومة في مال الجاني، يُقدِّرها أهلُ الخبرة والاختصاص، وذلك مقيَّدٌ بما إذا برئ العضوُ ولكن لم يَعُدْ كما كان، بأن لحقَه ضعفٌ أو شينٌ، فإن عادت هذه الأشياءُ المذكورة بعد المعالجة كما كانت دونَ شينٍ ولا ضعفٍ فليس على الجاني الـمتعمّدِ إلَّا الأدبُ، ودفعُ ما كـلَّفته الجنايةُ من التداوي والعلاج للمجني عليه، قال الدردير شارحًا كلام خليل رحمه الله: “(وَفِي الْجِرَاحِ) أَيْ جِرَاحِ الْخَطَإِ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا دِيَةٌ مُقَرَّرَةٌ، أَوْ الْعَمْدِ الَّتِي لَا قِصَاصَ فِيهَا وَلَيْسَ فِيهَا شَيْءٌ مُقَدَّرٌ كَعَظْمِ الصَّدْرِ وَكَسْرِ الْفَخْذِ (حُكُومَةٌ) أَيْ شَيْءٌ مَحْكُومٌ بِهِ أَيْ يَحْكُمُ بِهِ الْحَاكِمُ الْعَارِفُ… ثُمَّ بُرْؤُهُ لَا يَسْتَلْزِمُ عَوْدَهُ كَمَا كَانَ، لَكِنْ إنْ عَادَ كَمَا كَانَ فَإِنَّمَا عَلَى الْجَانِي الْأَدَبُ فِي الْعَمْدِ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي الْخَطَإِ، فَالْحُكُومَةُ إنَّمَا هِيَ فِيمَا إذَا بَرِئَ عَلَى شَيْنٍ” [الشرح الكبير:4/269]، ومثل ذلك يقالُ في نتف اللحيةِ وحلقِها، قال الدسوقي: “قَوْلُهُ (وَكَذَا شَعْرُ الرَّأْسِ، ‌وَاللِّحْيَةِ) أَيْ: فِي قَلْعِ كُلٍّ الْحُكُومَةُ سَوَاءٌ كَانَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً، كَانَ قَلْعُهُ بِحَلْقٍ أَوْ نَتْفٍ، إنْ لَمْ يَنْبُتْ، فَإِنْ نَبَتَ وَعَادَ لِهَيْئَتِهِ فَلَا شَيْءَ فِيهِ إلَّا الْأَدَبُ فِي الْعَمْدِ” [حاشية الدسوقي: 4/277].

وأمّا إنْ ظهرَ العظمُ في كسر الفك فهو موضحة، والواجبُ فيها القصاصُ في العمد، قال الدردير شارحًا كلام خليل رحمه الله: “وَاقْتَصَّ مِنْ (مُوضِحَةٍ) بِكَسْرِ الضَّادِ وَبَيَّنَهَا بِقَوْلِهِ: وَهِيَ مَا (أَوْضَحَتْ عَظْمَ الرَّأْسِ) أَيْ: أَظْهَرَتْهُ (و) عَظْمَ (الْجَبْهَةِ، وَالْخَدَّيْنِ)” [الشرح الكبير 4/251]، وفي جميع الأحوال أجرةُ التطبيب والعلاج التي تكلَّفها المجنيُّ عليه، له الحُّق في أخذها كاملةً من الجاني، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

عبد العالي بن امحمد الجمل

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

01// شعبان//1445هـ

11//02//2024م 

 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق