(بيان رقم (1) لسنة 2016م بشأن المخالفات الشرعية فيما أبدته بعثة الأمم من ملاحظات حول مسودة هيأة الدستور)
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد؛
فهذه جملة من المخالفات الشرعية، فيما أبدته بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا من ملاحظات، حول المسودة الأولى الصادرة عن لجنة العمل بالهيئة التأسيسية لصياغة مشروع الدستور:
أولًا: جاءت هذه الملحوظات تدخلًا صارخًا في الشأن الليبي الداخلي، وبعبارات مستفزة لمشاعر المسلمين، لم يُراعَ فيها خصوصية الشعب الليبي ولا عقيدته الإسلامية، بل كانت في بعض المواطن محرضة بطريقة واضحة على عدم الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية، وتفسيرات أهل العلم للنصوص الشرعية.
ثانيًا: بَنَتِ البعثةُ عملها على مقارنة المسوّدة بالمعايير الدولية، وأفضل الممارسات العالمية، واعتبرت أنَّ بعض موادها انتهاك للقانون الدولي والتزامات ليبيا الدولية.
ولاشك أنَّ هذا تعدٍّ صارخ للشأن الليبي، وتدخل في تشكيل هوية الشعب الليبي، التي إنَّما تصاغ الدساتير للحفاظ عليها.
بل طالبت بجعل المعاهدات والقوانين الدولية مقدمة على القوانين المحلية والدستور، فجاء في ملاحظات البعثة على المادة (16) ما نصه: “شرط تقديم المعاهدات الدولية التي صادقت عليها ليبيا على التشريعات المحلية أمر إيجابي، ومع ذلك يُفضل أن تكون هذه المعاهدات على قدم المساواة مع الدستور، بدلاً من أن يكون للدستور علوية على التزامات ليبيا الدولية، رغم أنه قد يفهم أن العديد من البلدان تفضل الحفاظ على الدستور باعتباره القانون الأعلى للدولة”.
– وجاء في ملاحظات البعثة على المادة (108) ما نصه: “يمكن إضافة فقرة أن على المحكمة الدستورية تفسير الدستور على ضوء التزامات ليبيا الدولية”.
– وجاء في ملاحظات البعثة على المادة (117) ما نصه: ” إعادة كتابة النصوص التي تشير إلى المساواة بين الرجال والنساء لتتوافق مع التعريف الدولي بالعهد الدولي للحقوق المدنية والسياسية وأفضل الممارسات الدولية”.
– وجاء في ملاحظات البعثة على المادتين (132، 133): ما نصه: ” كذلك عبارة (الخصوصية الليبية) كلمة غامضة ومبهمة، تترك الباب مفتوحاً لتجريم الحق في حرية التعبير”.
ثالثاً: طالبت البعثة بوجوب استبعاد علوية الشريعة الإسلامية على مواد الدستور، متجاهلة بذلك أنَّ الشعب الليبي مسلم، وأنَّه لا خيار للمسلم في التمسك بما جاء في كتاب ربه وسنة نبيه صلى الله عليه وسلم، وما أجمعت عليه الأمة. قال الله تعالى: ﴿وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَنْ يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا﴾ [الأحزاب: 36].
– حيث جاء في (ص1) من ملاحظات البعثة ما نصه: “فإنَّ المادة (7) تفسح المجال أمام تفسير قد يعد متشدداً للشريعة الإسلامية، وهو أمر قد يُفضل معه مراجعته”.
– كما جاء في ملاحظات البعثة على المادة (151) ما نصه: ” يجب أن تنص المادة على الحقوق غير القابلة للتقييد (بما في ذلك الحق في الحماية من التعذيب ومن التمييز)، ويجب كذلك أن يلغى التحذير (بما لا يتعارض مع أحكام المادة السابعة)، التي تنص على أنَّ الشريعة الإسلامية هي مصدر التشريع؛ إذ إن إخضاع جميع الحقوق والحريات المنصوص عليها في مسودة الدستور، وتقييدها بالشريعة ومبادئها، يعرضها إلى إفراغها من جوهرها، خاصة في مجال حقوق المرأة والحق في الحياة وحرية التعبير”.
– وجاء في ملاحظات البعثة على المادة (117) ما نصه: “تتعمد المادة الإشارة إلى المساواة بين الرجال والنساء، فالصيغة تستعمل لفظاً دينياً (شقائق)، والذي يمكن أن يفسر بكل سهولة من طرف العلماء المسلمين كشيء ليس له بالضرورة أي علاقة بمبدأ المساواة”. واقترحت الاقتداء بالدستور التونسي في المادة (46) منه.
رابعاً: طالبت البعثة بالمساواة المطلقة بين الرجل والمرأة في كل مناحي الحياة، وأشارت إلى اتفاقية السيداو (CEDAW)، المخالفة لكل الشرائع السماوية والفطر السوية.
– حيث جاء في ملاحظات البعثة على المادة (20) ما نصه: “من المهم الإشارة إلى دور الدولة في توفير فرص متساوية للرجال والنساء، وينبغي أن يتلاءم ذلك مع القوانين والمعايير الدولية خاصة اتفاقية القضاء على جميع أشكال التمييز ضد المرأة (CEDAW)”.
– وجاء في ملاحظات البعثة على المادة (31) ما نصه: ” وتنص صراحة على التزام الدولة بالتوفيق بين (واجبات المرأة وعملها)، في حين تصمت هذه المادة عن التعرض للرجال، وهذا ما يعد تمييزاً. وعلاوة على ذلك يمكن أن يتسبب ذكر عبارة (تكامل الأدوار بين أفراد الأسرة) في تكريس الصور النمطية بين الجنسين”.
وهذا لاشك أنَّه من المخالفات الصريحة، بل المناقضة لكتاب الله جل وعلا القائل: ﴿وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمًا﴾ [النساء: 32]، وقال سبحانه: ﴿وَلَيْسَ الذَّكَرُ كَالْأُنْثَى﴾ [آل عمران: 36]، وقال النبي صلى الله عليه وسلم: ” إنما النساء شقائق الرجال” رواه أحمد وأبو داود والترمذي.
بل يكرس للأدوار المنافية للفطرة في تكوين الأسرة من الزوجين والأبناء، إلى أسر مشوهة، مكونة مِن ذكرين أو امرأتين، أو رجل وكلب ونحوه؛ كما تريد الأمم المتحدة.
خامساً: طالبت البعثة بتخصيص حصة لتمثيل المرأة في كلِّ كيانات الدولة وهيئاتها الرسمية.
– حيث جاء في ملاحظات البعثة على المادة (40) ما نصه: ” تتكون رئاسة المجلس -يعني مجلس النواب- من رئيس ونائبين. وهذه فرصة لإدراج لغة لضمان أن يمثل كلا الجنسين: الرجال والنساء في منصب نائب الرئيس”.
– وجاء في ملاحظات البعثة على المادة (85) ما نصه: ” ينبغي إعادة النظر في النص على أن يكون تمثيل المرأة في مجلس الوزراء منصفاً”.
– وجاء في ملاحظات البعثة على المادة (97): ما نصه: “تضمين طلب تمثيل نسائي في المجلس الأعلى للقضاء”.
– وجاء في ملاحظات البعثة على المادة (161) ما نصه: “في حال عدم وجود بند دستوري ينص على ضرورة تمثيلية المرأة في الهيئات العمومية يجب أن تنص هذه المادة على ضرورة أن تتكون الهيئة في ثلثها على الأقل من النساء”.
– وجاء في ملاحظات البعثة على المادة (163) ما نصه: ” إمكانية أن يكون ثلث الأعضاء من النساء” يعني في المفوضية العليا للانتخابات.
– وجاء ص41 بعنوان حصة للمرأة ما نصه: ” عدم وجود أي إشارة إلى حصة المرأة فيما يتعلق بالمشاركة السياسية والاجتماعية، لذلك سوف يكون من المهم الاستمرار في تلك الممارسة والتي بدأت خلال الفترة الانتقالية.
سادساً: اعتبرت البعثة أن اشتراط إسلام المترشح لمنصب رئيس الجمهورية تمييز ضد الأقليات. وهو أمر معارض لقول الله تعالى: ﴿ أَفَنَجْعَلُ الْمُسْلِمِينَ كَالْمُجْرِمِينَ مَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ﴾ [القلم: 35، 36]، وقوله: ﴿وَلَنْ يَجْعَلَ اللَّهُ لِلْكَافِرِينَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ سَبِيلاً﴾ [النساء: 140].
– فجاء في ملاحظات البعثة على المادة (70) ما نصه: ” شرط أن المسلمين فقط يحق لهم الترشح لمنصب رئيس الجمهورية يستبعد الأقليات، وهو تعد على حق الترشح للمناصب العامة”.
– كما جاء في التعليقات العامة (ص41) بعنوان: عدم التمييز ما نصه: “يجب أن يكون هناك نص عام يحظر التمييز على أي أساس؛ (الجنس، العرق، الرأي السياسي، الدين …).
سابعاً: طالبت البعثة بجعل الإساءات الصحفية بما فيها من تشهير وقذف من ضمن القضايا المدنية لا الجنائية.
– فجاء في ملاحظات البعثة على المادتين (132، 133) ما نصه: ” فالعقوبات المقيدة للحرية لا يجب ألا تطبق على الإساءات الصحفية بما فيها التشهير والقذف أو الإساءات الأخرى المرتبطة بحرية التعبير (حاليا مسودة الدستور تركت الباب مفتوحاً للسجن في مثل هذه الإساءات، وبالكاد نصت على عدم قانونية الإيقاف قبل المحاكمة)، فمثل هذه الإساءات يجب أن تكون منوطة بعهد المحاكم المدنية عوضاً عن المحاكم الجنائية”.
وهذا مخالف لما ثبت في الشريعة الإسلامية من حد القذف.
ثامناً: طالبت البعثة بالنص على حرية التفكير والوجدان والعبادة، وامتلاك الحق في تبني ما شاء من معتقدات، وإظهارها سواء بمفرده أو مع جماعات.
– فجاء في التعليقات العامة (ص41) ما نصه: “ليس هناك تنصيص على حرية الوجدان والحق في العبادة في مسودة الدستور التي يجب أن تشتمل كذلك على أحكام تتعلق بحماية أفراد الأقليات الدينية بما فيها الرعايا الأجانب من أي عنف أو تمييز، فلكل فرد حق التفكير والوجدان والعبادة، وينبغي أن يشتمل هذا الحق حرية امتلاك أو تبني دين أو معتقد من اختياره، والحق في إظهار دينه أو معتقده في العبادة والشعائر والممارسة، سواء بمفرده أو جماعة وأمام الملأ أو لوحده”.
وهذه تفتح المجال أمام من شاء الارتداد عن دينه، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ ) رواه البخاري.
تاسعاً: طالبت البعثة بمنع زواج من دون سن 18، واعتبرتهم أطفالاً مع كونهم قد تجاوزوا سن البلوغ شرعاً.
– فجاء في ملاحظات البعثة على المادة (146) ما نصه: ” التوصية مراجعة المادة لمنع زواج الأطفال (الذين لم يبلغوا سن 18).
ونرحب بأي استفسار من أعضاء هيئة كتابة الدستور حول ما ورد في هذه المذكرة وبيان وجه المآخذ الشرعية على ملاحظات البعثة .
وفق الله الجميع لما يحب ويرضى.
مجلس البحوث والدراسات الشرعية التابع لدار الإفتاء.
18 ربيع الآخر 1437هـ
28/ 1/ 2016م
{gallery}Bynat/2016/notes_UN_Constit{/gallery}