بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5525)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
تنازلتُ لطفلةٍ تكفلتُ بها من دار الرعايةِ عن شقةٍ سكنيةٍ، وهي تبلغُ من العمر الآن تسعَ سنوات، وأنا مؤجرٌ الشقةَ، وأقبض إيجاراتها شهريا، وأدفع جميع مصروفات الطفلة مِن تكاليف الدراسة والمعيشة من مبلغ الإيجار وراتبي الخاص، إلى أن تصل الطفلةُ سنَّ البلوغ وتستلم الشقة، فهل هذا التنازل صحيح؟ علما أنني وصي على المتبناة بحكم من القاضي.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنَّ من شرطِ تمامِ الهبةِ الحيازة، وذلك بأن يتصرفَ الموهوبُ له في الهبة تَصَرُّفَ الْمُلَّاكِ في حياة الواهب، كي ينتقلَ بها الملك، فإن لم تتم الحيازة حتى حصلَ للواهب مانعٌ؛ من فلس، أو جنون، أو موت، أو مرضٍ مخوف متصلٍ بالموت، فقد بطلتِ الهبة، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “وَلَا تَتِمُّ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا حُبُسٌ إِلاَّ بِالْحِيَازَةِ، فَإِنْ مَاتَ قَبْلَ أَنْ تُحَازَ فَهِيَ مِيرَاثٌ” [الرسالة:117]، والحيازةُ في كل شيء بحسبهِ، فحيازةُ العقار الموهوب تكونُ بتخليةِ الواهبِ له، وإفراغِه من متاعه، وتصرُّفِ الموهوب له فيه تصرفًا يدلُّ على التملّكِ، كأن يسكنَ الدار أو يُكْرِيَهَا، أو يبنيَ عليها.
ويجوز للوصي إنْ وهبَ لمحجوره الصغير؛ أن يحوزَ له، غير أنه يجبُ على الصغير إذا بلغ سنّ الرشد في حياة الواهبِ، أنْ يجدِّدَ الحوزَ بنفسه، فإن لم يفعلْ حتى حصل للواهبِ مانعٌ؛ فقد بطلت الهبة، قال الدردير رحمه الله: “(إلَّا) أَنْ يَهَبَ وَلِيُّ مِنْ أَبٍ أَوْ وَصِيٍّ، أَوْ مُقَدَّمِ قَاضٍ (لِمَحْجُورِهِ) الصَّغِيرِ، أَوْ السَّفِيهِ أَوْ الْمَجْنُونِ فَلَا تَبْطُلُ إنْ بَقِيَتْ عِنْدَهُ حَتَّى حَصَلَ الْمَانِعُ؛ لِأَنَّهُ الَّذِي يَحُوزُ لَهُ حَيْثُ أَشْهَدَ عَلَى الْهِبَةِ، وَإِنْ لَمْ يُحْضِرْهَا لَهُمْ وَلَا عَايَنُوا الْحِيَازَةَ وَلَا صَرْفَ الْغَلَّةَ لَهُ عَلَى الْمُعْتَمَدِ الَّذِي جَرَى بِهِ الْعَمَلُ”، وقال الدسوقيr: “وَاعْلَمْ أَنَّ الْوَلِيَّ إذَا وَهَبَ لِمَحْجُورِهِ فَإِنَّهُ يَحوزُ لَهُ إلَى أَنْ يَبْلُغَ رَشِيدًا فَإِذَا بَلَغَ رَشِيدًا حَازَ لِنَفْسِهِ فَإِذَا بَلَغَ رَشِيدًا وَلَمْ يَحُزْ لِنَفْسِهِ وَحَصَلَ مَانِعٌ لِلْوَاهِبِ بَطَلَتْ” [الشرح الكبير مع حاشية الدسوقي: 4/ 107].
عليه؛ فإن الهبة صحيحة، لكن يجب على الموهوبِ لها إنْ بلغتْ رشيدة قبل أن يحصلَ للواهبِ مانعٌ أن تحوزَ الشقة بنفسها، بالسكنَى أو قبض الإيجار، أو غيرها من وجوهِ الحوز، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الدائم بن سليم الشوماني
عبد العالي بن امحمد الجمل
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
18//شعبان//1445هـ
28//02//2024م