حكم تقسيم عمل الموظفين إلى مناوبات دون سبب حقيقي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5543)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أعمل موظفًا في جهةٍ تابعةٍ لإحدى المؤسسات الحكومية، وقبلَ أشهر قررَ المديرُ تقسيم كل موظفي هذه الجهة إلى نظام المناوبات، فصرت أعمل يومًا في الأسبوع، وفي المقابلِ مَن يتغيب يومًا يخصمُ منه من المرتب ما يوازي عشرةَ أيامٍ، فسألتُ الشؤونَ القانونية في مؤسستنا: هل تنصُّ اللوائح على أنّ من صلاحيات المدير تغيير نظام الدوام بهذا الشكل؟ فأجابوا بالنفي، ولكن جرى العرف الإداري أنّ بإمكان المدير التصرّف في هذا، فهل يجوز لي أن أتقاضى مرتبي بهذه الطريقة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالواجب على من ولَّاهُ الله منصبًا أن يكونَ حريصًا على المال العام؛ لأنه مالُ المسلمين جميعًا، وإضاعته أو التفريط فيه تفريطٌ في مال الأمّة، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (كلكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيته) [البخاري:5200 ].
والشأن في الأعراف -إدارية كانت أو غيرها- ألاّ تخالف صريح الألفاظ المنصوص عليها في العقود أو اللوائح والقوانين.
وما دامت اللوائح تنص على أن مدة الدوام 5 أيام في الأسبوع، فلا يجوز لأحد أن يستند إلى أن الأعراف تسمح لرئيس المصلحة أن يغيرها إلى يوم واحد؛ لأنها أعراف فاسدة مخالفة لمنصوص من يملك الأمر، فإن العمل بالأعراف مقيد بقاعدة عدم مخالفتها للمنصوص، وذلك كما لو تعارف الناس على كشف العورات أو تأخير الصلاة عن وقتها لم يكن ذلك جائزًا لهم.
وتقسيم عمل الموظفين إلى مناوبات إذا كان سببُه عدمَ توفّرِ أماكنَ تكفي لتواجدهم جميعًا في وقت واحد، فعلى رئيس المصلحة بذل جهده لجمع أكبر عدد من العاملين في الغرفة الواحدة مما يمكنهم من أداء أعمالهم، فإن فعل ذلك، ولم يألُ جهدا في المطالبة بمشاريع توفرُ أماكنَ للعاملين بالمصلحة فقد يكون معذورًا.
أما إذا لم يكن هناكَ سببٌ من هذا، وإنما هو الإهمال، وعدم شعور من يتولى المؤسسة والإدارة بالمسؤولية -كما هو ظاهر حال المصلحة التي بها السائل حيث ذكر أن الموظفين كانوا يعملون يوميا، فقرر مديرهم تقسيمهم إلى مناوبات دون أي سبب- فإن رئيس المصلحة في هذه الحالة متعدٍّ، ولا حق له في إعفاء الموظفين من الدوام استنادا على العرف كما يقول، ولا يُعفي تجاوُزُه هذا الموظفينَ من المسؤولية، وكل ما يأخذونَه من المرتبات على هذه الحال لا يحق لهم منه إلا الجزء الخاص بالأيام التي داوموا فيها على أعمالهم، وما عداه فهو من أكلِ المال العامِّ بالباطل الذي يدخل في الغلول، فيجب التخلص منه في مصالح المسلمين العامة لمن أراد أن يبرئ ذمته، قال الله تعالى محذرا من المال العام: (وَمَنْ يَّغۡلُلۡ يَأۡتِ بِمَا غَلَّ يَوۡمَ ٱلۡقِيَٰمَةِۚ ثُمَّ تُوَفَّىٰ كُلُّ نَفۡسٖ مَّا كَسَبَتۡ وَهُمۡ لَا يُظۡلَمُونَ).
ومن كان حريصا على الدوام أيام العمل في المكان الذي وُظِّف فيه، ولم يُمكَّن من ذلك، وقدر على أن يتطوع بدوام في مصلحة أخرى مجانا، تُؤدَّي خدمة للمسلمين تكافئ المدة التي تَغَيَّب فيها عن مكان دوامه الأصلي، فله أن يأخذ مرتَّبه كاملا ولا حرج عليه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
عبد الرحمن بن حسين قدوع
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
29/شعبان/1445هـ
10/مارس/2024م