بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيم
رقم الفتوى (5548)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
حدثتْ مشاكلُ بيني وبين زوجتي، سببُها عدمُ تقيُّدِها بالضوابط الشرعيّة في اللباس، وخروجُها بزينتها، وعند ذهابها إلى بيت أهلها، فإنها تخرج من غير إذني، فاعترضتُ على ذلك، واحتدم النقاش بيننا، حتى قالت: لا يحقُّ لك أن تمنعني؛ فأنت لستَ وليَّ أمري، وإنما وليُّ أمري والدي، فأخبرتُ والدَها بما قالت، فردَّ عليَّ: بأنَّ ما قالته صحيحٌ، وإن لم ترضَ بما قالت فطلِّقْها، حَدَثَ هذا الخلافُ سنةَ (2021)، ومن ذلك الوقت إلى يومنا هذا وأنا أحاول إرجاعَها إلى البيت، وهي رافضةٌ الرجوعَ حتى أرضى ببقائها على ما هي عليه، من الخروج بالزينة وغير ذلك، فهل النفقةُ على زوجتي فترةَ بقائها في بيت أهلها للأسباب التي تقدَّم ذكـرُها واجبةٌ عليَّ؟ وهل ما قالته بأنَّ وليَّ أمرها والدُها صحيح؟
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فيجبُ على الزوجة طاعةُ زوجها في المعروف، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إِنّمَا الطّاعَةُ فِي الْمَعْرُوفِ) [البخاري: 6830]؛ فلا يجوز لها الخروجُ من بيت زوجها أو بيت أهلها لغير ضرورةٍ، إلاّ بإذنهِ، ولا يجوز لها الخروج متبرِّجة، قال الله تعالى: ﴿وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ [النور: 31]، وقال عز وجل: ﴿وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى﴾ [الأحزاب: 33]، وأمرُ الزوجِ لزوجته بالسترِ وتركِ التبرج والتزين، هو المطلوب منه شرعا، ومن القوامةِ التي جعلها الله للرجال، قال تعالى: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَآءِ بِمَا فَضَّلَ اللَّهُ بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَبِمَا أَنفَقُواْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ﴾ [النساء: 34]، ولأنَّه الراعي على أهل بيته، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (وَالرَّجُلُ رَاعٍ عَلَى أَهْلِ بَيْتِهِ، وَهْوَ مَسْئُولٌ عَنْهُمْ) [البخاري: 7138].
والمرأة إذا خرجت بدون إذنِ زوجها تعدّ ناشزًا، عاصيةً، وهي في غضبِ اللهِ حتى ترجع، فقد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم: (إِذَا باتَتِ المرْأَةُ هَاجِرَةً فِرَاشَ زَوْجِهَا لَعَنَتهَا المَلائِكَةُ حَتى تُصْبِحَ) [البخاري: 3528، مسلم: 1436]، جاء هذا الوعيد فيمن هجرتْ زوجها ليلةً واحدةً، وهي معه في بيته، فكيف بمن هَجَرَتْه سنين وهي خارج بيته؟! فهي ظلمات بعضها فوق بعض.
والنشوز كما قال الدردير رحمه الله: “الْخُرُوجُ عَنِ الطَّاعَةِ الْوَاجِبَةِ، كَأَنْ مَنَعَتْهُ الِاسْتِمْتَاعَ بِهَا، أَوْ خَرَجَتْ بِلَا إِذْنٍ لِمَحَلٍّ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا يَأْذَنُ فِيهِ” [الشرح الكبير: 2/343]، وهو مسقِطٌ لوجوب نفقة زوجها عليها، قال ابن عبد البر رحمه الله: “وَمَنْ نَشَزَتْ عَنْهُ امْرَأَتُهُ بَعْدَ دُخُولِهِ بِهَا سَقَطَتْ عَنْهُ نَفَقَتُهَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ حَامِلًا” [الكافي: 559/2].
وحقُّ الزوج على المرأة أعظمُ من حق الوالد، فعن عائشة رضي الله عنها قالت: (قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُّ النَّاسِ أَعْظَمُ حَقًّا عَلَى الْمَرْأَةِ؟ قَالَ: زَوْجُهَا) [الحاكم: 7244]، وإقرار الوالد ابنتَه على ماهي عليه من التبرُّج يخل بمروءته، ويُسقِطُ عدالتَه، ويستحق به العقوبةَ والتعزيرَ.
والواجب على والد الزوجة أن يصلح بينها وبين وزوجها ويأمرها بطاعته والرجوع إلى بيته؛ فإنَّ الله تعالى أمرنا بإصلاح ذات البَين، قال تعالى: (فَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَأَصۡلِحُواْ ذَاتَ بَيۡنِكُمۡ) [الأنفال: 1]، وحذَّرنا النبي صلى الله عليه وسلم من الإفساد بين الزوجين، فقال: (لَيْسَ مِنَّا مَنْ خَبَّبَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا) [أبوداود: 2175]، والتخبيب: إفساد العلاقة بين الزوجين.
وعليه؛ فإن كان الحال ما ذكر من عصيان الزوجة لزوجها؛ فإنَّ نفقتها لا تجب على الزوج إن لم تكن حاملًا، ولا يجوز لوالد الزوجة التدخلُ في شؤونها وشؤون زوجها بغير الإصلاح، ولا الوقوفُ بجانبها في عصيانِ الزوج.
ومساندتُها فيما هي عليه من التبرج من الإثم، بل الواجب عليه أن يسعى في استقرار حياة ابنتهِ مع زوجها، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
حسن بن سالم الشريف
عبد العالي بن امحمد الجمل
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
29//شعبان//1445هـ
10//03//2024م