اللحوم المستوردة وذبيحة غير المسلمين
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2813)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
ما حكم اللحوم المستوردة، وإن عرف مصدرها، وهل تكفي عبارة “مذبوح على الطريقة الإسلامية”، أو”حلال”؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن ما يذبح في أوروبا وغيرها من البلاد غير الإسلامية، في مجازر غير خاصة بالمسلمين، لا يجري في أغلبه على الطريقة الشرعية، ومعظمه من قبيل المنخنقة والموقوذة، فهو ميتة لا يجوز أكله، وذلك للأسباب الآتية:
1 ـ شرط ذبيحة أهل الكتاب أن يكون الذابح فعلا من أهل الكتاب؛ نصراني أو يهودي على دين النصارى أو اليهود، والنصارى في أوروبا وفي غيرها شاع بينهم الإلحاد، وعدم الاعتراف بالأديان، وصارت نسبة كبيرة منهم وإن عُدوا في الإحصائيات من النصارى، فهم في واقع الأمر لا يدينون ولا يعترفون بالخالق ولا بشيء مما جاءت به الأديان السماوية، فذبيحة هؤلاء ـ وإن سموا نصارى ـ مثل ذبيحة المجوس والدهريين والشيوعيين، لا يحل أكلها، ولا تستطيع في المجازر أن تميز ما إذا كان الذابح على دين النصارى أو ممن لا دين له؛ لذا كانت ذبيحته مشكوكا فيها، فلا يحل أكلها.
2 ـ النصارى اليوم في أوروبا وفي غيرها لا يذبحون، وإنما يقتلون الحيوان كيفما اتفق، بدليل أنه ليست لهم طريقة واحدة في جميع مذابحهم، فلو كانوا يذبحون وفقا لشريعتهم ومعتقدهم لاتفقت طريقتهم في الذبح، كما هو الحال عند المسلمين وعند اليهود؛ لأن دين النصارى واحد، فيفترض في الذبح إن كان جاريا على دينهم أن تكون صورته واحدة، لكن الذبح عندهم اليوم معدود من المسائل المدنية، وليس من المسائل الدينية العبادية؛ لذا هم مختلفون فيما بينهم في طريقته اختلافا كبيرا، منهم من يخنق، فيطعن الحيوان في صدره بين أضلاعه، وينفخه بمنفاخ، فتمتلىء رئتاه بالهواء ويموت مخنوقا، ومنهم من يضرب الحيوان بمسدس في رأسه تخرج منه إبرة تخرق دماغه، فيقع مصروعا، ثم يعلقه الذابح ويشرطه في رقبته شرطة خفيفة قد تقطع عروقه أو بعضها، وقد لا تقطعها وتكون جلدية، وقد يدرك السكين الحيوان حيا قبل أن يموت، وقد لا يُدركه إلا بعد موته, ومن المجازر من يخدر الحيوان بغاز سام، مثل غاز أكسيد الكربون، وبعد تخديره يشرطه بالسكين على نحو ما سبق، ومنهم من يدخل حديدة مذببة في رأس البقر، فيصرع ويكتفي بذلك، ومنهم من يصعقه على جنبي رأسه صعقة كهربائية يقع منها على الأرض، ثم يعمل به ما سبق من التدمية في رقبته بالسكين، دون التحقق من قطع عروقه، ودون التحقق ما إذا كانت هذه التدمية في رقبته وقعت قبل موت الحيوان أو بعد موته بالصعقة، ومعلوم أنها إذا وقعت بعد موته، فلا تفيد تذكيته حتى لو ذكي وقطعت عروقه.
ولما وقع الشك في الذكاة على هذه الصور المتعددة فلا تحل الذبيحة؛ لأن الذبيحة لا تحل مع الشك، فقد حرم النبي صلى الله عليه وسلم الصيد إذا وقع في الماء بعد إصابته بالسهم وقال للصائد: (فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي الْمَاءُ قَتَلَهُ أَوْ سَهْمُكَ) [مسلم:1929]، وقال للذي وجد مع كلبه كلبا آخر: (… فَلَا تَأْكُلْ فَإِنَّمَا سَمَّيْتَ عَلَى كَلْبِكَ وَلَمْ تُسَمِّ عَلَى كَلْبٍ آخَرَ) [البخاري: 175]، وهذا يدل على أن الحيوان المذبوح لا يؤكل بالشك، وأن الأصل فيه المنع حتى تثبت فيه الذكاة الشرعية بيقين، حتى إنه لو اختلطت الميتة بشاة مذكاة، يجب اجتناب الجميع احتياطا للتحريم. [انظر الفروق:155/1،18/2]، وإيضاح المسالك:[ 82/ق27].
3 ـ هذه الطرق في الذبح على النحو السابق من الخنق والصعق والوقذ، لو فعلها مسلم بذبيحة لا تؤكل، فكيف إذا كان من يقوم بها غير مسلم، نصراني أو متفسخ لا دين له.
أما عبارة (حلال مذبوح على الطريقة الإسلامية) الملصقة على الذبائح المستوردة، فقد لا تعني شيئا، وهي في معظمها مجرد دعاية تجارية لتسويق السلعة، يمكن لكل شركة، بل لكل صاحب دكان إلصاقها، لمجرد الكسب ونَفاق السلعة، فلا يوثق بها، ولا يجوز أكل الذبيحة اعتمادا عليها، إلا إذا كانت هذه الشهادة صادرة من جهة موثوق بها، راقبت الذبائح بنفسها، ذبيحة ذبيحة، وأسندت الأمر فيها إلى أناس موثوق بدينهم وأمانتهم، وتولوا ذلك بأنفسهم، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبدالرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
07/جمادى الأولى/1437هـ
16/فبراير/2016م