بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحيم
رقم الفتوى (5562)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أبدى شاب -يبلغ من العمر سبعة وعشرين سنة- لوالديه رغبته في الزواج، دون أن يعين من يريد الزواج بها، فطلب والده تأجيل الأمر حتى يبني له مسكنا فوق بيتهم؛ إذ إن الولد طلب السكن مع والديه، فبدأ الوالد البناء، لكن الابن تزوج دون علم والديه، وأخفى الأمر عنهما سنتين، ولما اكتشفوا الأمر لم يتقبلاه؛ لأنه لم يشاورهما، ولأن لون بشرة الفتاة التي تزوجها مخالفٌ للون بشرته، وقد مضى على زاوجه عشر سنوات، ولم يرزق الولد، واشتُرط عليه في عقد الزواج صداق مؤخرٌ قدره خمسون ليرة ذهبية، فهل هذا الزواج صحيح؟ وكيف يتصرف الوالدان حيال هذا الموضوع الصعب، غير المتقبل منهما إطلاقًا، وهل ترثه زوجتُه إن توفي؟ علمًا أن علاقةَ الولد بوالديه حسنة لم تسُؤْ، سواء قبل علمهما بالزواج أو بعده.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فبما أنّ الوالدينِ لم يمنعَا ولدهما من الزواج، ولم يتكرر منهما الرفض، بل طلبَا التأجيل قليلا لتجهيز مسكنٍ ملائم، فكان على الولدِ أن يبلغ والديه برغبته في الزواج من هذه الفتاةِ، ويحاول إقناعهما بالموافقة على الزواج منها بشتَّى الطرق، لا أن يقدم على الزواجِ من امرأة يعلم أن والديهِ لن يوافقَا على زواجه منها؛ لأن طاعتهما مطلوبةٌ ما لم يتعنتا ويضيّقا عليه، وهو بزواجه دونَ رضى والديه لن يجد راحة النفس التي ينشدها بالزواج.
لكن علم والدي الزوج ورضاهما ليس شرطًا في صحة عقد النكاح، وتولي الزوج العقد بنفسه دون إذنٍ من والديه صحيحٌ؛ لأنّه الأصل، قال التوزري رحمه الله: “وأما البالغُ فلا يخلو حاله إما أن يكون سفيهًا أو رشيدًا… وإن كان رشيدًا عقد لنفسه أو وكل من يعقد نكاحه” [توضيح الأحكام شرح تحفة الحكام: 2/ 33].
فإن كان العقد استوفى أركانه وشروطه بوجودِ ولي للمرأةِ وصداقٍ وشهود، فإنه عقد صحيحٌ، يترتبُ عليه آثار النكاح من توارث وغيره، وما التزم به الزوج من صداق مقدم ومؤخر واجب عليه أداؤه للمرأة.
وعلى الولد البرّ بوالديه، وأن يأمر زوجته بالبرّ بهما، وذلك بالمعاملة الحسنة والتودد إليهما وتقديم الخدمات لهما، حتى يعرفَ الوالدان أن زواجَ ابنهما انعكس عليهما بالخير قبل ابنهما.
وليعلم الوالدان أن اختلافَ لون البشرة ليس نقيصةً في المرأة، ولا يقدح فيها بحال، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تُنْكَحُ المَرْأَةُ لأرْبَعٍ: لِمالِها، ولِحَسَبِها، وجَمالِها، ولِدِينِها، فاظْفَرْ بذاتِ الدِّينِ، تَرِبَتْ يَداكَ) [البخاري: 5090]، فما دام أن الوالدين لم يأخذَا على المرأة شيئًا في دينها، بل هو ما يجدانه في قلبيهما من لونها، وعدم استشارتهما قبل الزواج بها، فعليهما أن يتخلصا مما في نفوسهما من كره هذا الزواج، فقد صار أمرا واقعا لا مبرّر لهما لإنكاره، والتسامح مع ابنهما، والدعاء له بالتوفيق وصلاح الحال، أولى من استمرار تغير قلوبهما عليه، وذلك قد يضره، ولا فائدة لهما منه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
01//رمضان//1445هـ
12//03//2024م