طلب فتوى
الحج والهدي والأضاحيالعباداتالمواريث والوصايا

هل ينتقل الحق إلى ورثة من مات وقد اختير في قرعة الحج؟

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5616)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

قامت الهيئة العامة لشؤون الحج والعمرة في موسم الحج لعام 2020م، بإعداد قرعةٍ خاصةٍ بالسيدات الأجنبيات (زوجات المواطنين الليبيين)، وقد خرجت القرعة على عدد منهن، ونظرًا للتأخر الذي حصل في بعض الإجراءات؛ قررت الهيئة تأجيلَ إرسالهنّ إلى موسم الحج التالي، ثم تعذر ذلك بسبب جائحة كورونا، وتقرر إرسالهن في موسم هذا العام 1445هـ – 2024م، غير أن عددًا من هؤلاء السيدات قد توفاهن الله تعالى، ولم يدركن هذا الموسم، فهل ينتقل حقهنّ في الذهاب لأداء فريضة الحج إلى ورثتهن؟ كون المقاعد لا تزال محجوزة، ولا ضرر على أحد في ذلك؟ وهو ما تنص عليه اللوائح المنظمة بالهيئة في خصوص الحاجة الليبية إذا توفيت، وهي لا تنص على شيء في حالة وفاة الحاجة الأجنبية.

 

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن الاقتراع بين عدد من المستحقين إذا تنافسوا في استيفاء حقوقهم، ولم يمكنهم ذلك إلا على وجه البدل لمعرفة المستحق قبل غيره؛ جائزٌ شرعًا، فقد ذكر الله تعالى القرعة في كتابه العظيم في غير موضع، منها: القرعة فيمن يكفل مريم عليها السلام، قال تعالى: (وَمَا كُنتَ لَدَيۡهِمۡ إِذۡ يُلۡقُونَ أَقۡلَٰمَهُمۡ ‌أَيُّهُمۡ ‌يَكۡفُلُ مَرۡيَمَ) [آل عمران: 44]، قال القرطبي رحمه الله: “اسْتَدَلَّ بَعْضُ عُلَمَائِنَا بِهَذِهِ الْآيَةِ عَلَى إِثْبَاتِ الْقُرْعَةِ، وَهِيَ أَصْلٌ فِي شَرْعِنَا لِكُلِّ مَنْ أَرَادَ الْعَدْلَ فِي الْقِسْمَةِ، وَهِيَ سُنَّةٌ عِنْدَ جُمْهُورِ الْفُقَهَاءِ فِي الْمُسْتَوِينَ فِي الْحُجَّةِ لِيَعْدِلَ بَيْنَهُمْ وَتَطْمَئِنَّ قُلُوبُهُمْ وَتَرْتَفِعَ الظِّنَّةُ عَمَّنْ يَتَوَلَّى قِسْمَتَهُمْ، وَلَا يَفْضُلَ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى صَاحِبِهِ إِذَا كَانَ الْمَقْسُومُ مِنْ جِنْسٍ وَاحِدٍ اتِّبَاعًا لِلْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ” [تفسير القرطبي: 4/86]، وقد أقرع النبي صلى الله عليه وسلم بين نسائه، فعن عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا أَرَادَ سَفَرًا ‌أَقْرَعَ ‌بَيْنَ ‌نِسَائِهِ، فَأَيَّتُهُنَّ خَرَجَ سَهْمُهَا خَرَجَ بِهَا مَعَهُ) [البخاري: 2593].

والأصلُ في القرعة اقتصارُ حق الاستيفاء على من خرجت عليه القرعة، فإذا توفي أو منعه مانع من الاستيفاء، وكان الحق مما لا يستناب فيه؛ لم ينتقل الحق إلى ورثته، وإنما يرجع الحق شائعًا في باقي المستحقين، فلهم أن يتراضَوْا على تقديم أحدهم، أو يقترعوا مرة أخرى، ويجوز للدولة إعداد اللوائح والقوانين المنظمة لعملية الاقتراع، بما تراه أيسرَ عملًا وأعمَّ نفعًا، كتخصيص ورثة الحاجّ المتوفى بمقعد مُورِّثهم إذا كانوا مستحقين أيضًا، وتتوفر فيهم شروط التقديم على القرعة.

وعليه، فإن كان الحال كما ذكر؛ فينبغي الرجوع إلى الهيئة العامة لشؤون الحج والعمرة، وسؤالُ المعنيين بها عن مثل هذه الحالة، والنظرُ في اللوائح والقوانين المنظمة فيها، لأنها الجهة المسؤولة عن ذلك، وحيث لم يكن في اللوائح نصٌّ بخصوص هذه الحالة؛ فليس هناك ما يمنع شرعًا من تخصيص مقاعد الحاجّات الأجنبيات اللاتي توفين لورثتهن، الذين تتوفر فيهم شروط التقديم على قرعة الحج، إذا رأى المسؤولون هذا الأمر مناسبًا، قياسًا على المنصوص عليه في اللوائح بخصوص الحاجّات الليبيات إذا توفين، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

27//شوال//1445هـ

06//05//2024م           

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق