بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5622)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أعمل في شركة خاصة لمدة 8 ساعات، وأثناء الدوام أعمل متعاونا مع شركة حج وعمرة بدل عن الميت والعاجز، مقابل نسبة مئوية على كل زبون يتم التعاقد معه، أتواصل مع الزبائن بالهاتف، ويأتونني في مكان عملي الأصلي، وذلك لاستلام المستندات والمبالغ المالية الخاصة بالزبائن، واستقبالهم أحيانا في المكتب في مكان عملي الأصلي أثناء ساعات الدوام، دون علم مالك الشركة ولا إذنه، فما حكم هذا العمل والمال، الذي أستلمه من شركة الحج والعمرة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالموظف أجير قد جعل وقته ومنافعه كلها للشركة المستأجرة، خلال دوامه المحدد، وتحديد الدوام بساعات معينة للعمل دليل على اشتراط أن يكون الموظف متفرغا، وعدمِ قبول اشتغاله بعمل آخر في نفس التوقيت لصالح جهة أخرى؛ لكي يحسن الموظف أداء عمله ويتقنه.
وإذا اشتغل الموظف عن عمله بعمل يشبه عمله الأول، وقد شرط عليه مستأجره ألَّا يشتغل بعمل آخر، ففي هذه الحالة يكون ما تحصل عليه الموظف من العمل الثاني للشركة المستأجرة لمنافعه، وللشركة أن تسقط من المرتب بقدر ما ترك الموظف من العمل، قال ابن يونس رحمه الله -نقلا عن ابن القاسم رحمه الله-: “فَإِنْ رَعَى الرَّاعِي مَعَهَا غَيرَهَا بَعْدَ هَذَا الشَّرْطِ. فَالْإِجَارَةُ لِرَبِّ الْأُولَى، وَكَذَلِكَ أَجِيرُكَ لِلْخِدْمَةِ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ مِنْ غَيْرِكَ يَوْمًا أَوْ أَكْثَرَ، فَلَكَ أَخْذُ الْأَجْرِ، أَوْ تَرْكُهُ وَإِسْقَاطُ حِصَّةِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ الْأَجْرِ عَنكَ. وَهَذَا فِيمَا يُشَابِهُ مَا أَجَّرْتَهُ أَوْ يُقَارِبُهُ” [الجامع: 15/465].
وإذا اشتغل الموظف بعمل لا يشبه عمله الأول، فلا يكون للشركة المستأجرة إلا الخصم من المرتب بقدر ما ترك من الساعات، قال ابن يونس رحمه الله: “وَأَمَّا أَن يُؤَاجِرَه فِي الرّعَايةِ شَهراً بِدِينَارٍ، فَيَذْهَبُ يُؤَاجِرُ نَفْسَهُ فِي الحَصَادِ أَوْ فِي أَمْرٍ مَخُوفٍ يَومًا بِدِينَارٍ، أَوْ تُؤَاجِرَهُ يَوْمًا لِخِدْمَتِكَ فِي الْغَزْوِ فيَذْهَب يُقَاتِل فَيقَع لَه فِي سُهمَانِهِ عَشَرَة دَنَانِيرَ، فَهَذَا وَشِبْههُ لَا يَكُونُ لَكَ إِلاَّ إِسْقَاط مَا عَطَّلَ مِن عَمَلِكَ مِنَ الْأَجْرِ” [الجامع: 15/465].
عليه؛ فلا يجوز الاشتغال متعاونا مع شركة الحج والعمرة، أثناء فترة الدوام، إلا بإذن من مالك الشركة التي تعمل معها؛ لأن ذلك مخالف لما تم التعاقد عليه، قال تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ أَوۡفُواْ بِٱلۡعُقُودِ) [المائدة: 1]، وقال صلى الله عليه وسلم: (الْمُسْلِمُونَ عِنْدَ شُرُوطِهِمْ إِلَّا شَرْطًا أَحَلَّ حَرَامًا، أَوْ حَرَّمَ حَلَالًا) [أبو داود: 3594].
والظاهر أن العمل الذي يقوم به هذا الموظف لصالح شركة الحج والعمرة هو عمل مكتبي قريب من عمله الأول، بدليل أنه يقوم به في المكان نفسه ولم يُطّلع عليه من جهة ربّ العمل، فمن يراه لا يعرف ما إذا كان يعمل في عمله الأصلي أو عمله الآخر، وهذا كافٍ في الشبه بين العملين.
وعليه فرب العمل في الشركة الخاصة مخير بين أن يأخذ الأجرة التي تحصل عليها الموظف من عمله لصالح غيره أثناء الدوام، أو أن يخصم منه أجرة الوقت الذي ضيعه عنه في الخدمة مع شركة الحج والعمرة، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
04//ذو القعدة//1445هـ
12//05//2024م