ما هي عدة المفقود ومتى يورث
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2875)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
اعتُقل والدي يوم 21 رمضان 1432هـ، الموافق 21 أغسطس 2011م، من قبل كتائب القذافي، من بيته، ولم يُعرف له أيّ أثر، وقد استنفدنا جميع وسائل البحث عنه، ومن بينها وزارة الشهداء والمفقودين، التي تم تزويدها بجميع المعلومات، ومن بينها الحمض النووي للعائلة، دون جدوى، فما حكم الشرع في أمر والدتي بعد حوالي أربع سنوات ونصف؟ هل تعتدّ؟ مع عدم جزمنا بوفاة الوالد، وهل لنا ولوالدتي التصرف في المال الخاص بالوالد، ومنه قطعة أرض كانت قد كتبتها جدتي لأبي، على أن تقسم بالتراضي بين الورثة، وحاز كل من الورثة نصيبه منها؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فبعد اليأس من العثور على والدكم، واستنفاد جميع الوسائل، واستفراغ الوسع في البحث عنه؛ للتعرف على مصيره، يُضرب له أجلٌ بحسب حاله، فإذا مضى الأجل المضروبُ من الجهات المختصة (القضاء)، ولم يرجع المفقود، فإن على زوجته أن تبتدئ في عدة الوفاة مباشرة، ولا تحتاج في ابتدائها إلى إذن حاكم؛ قال الدردير رحمه الله: “(ولا تحتاج) الزوجة (فيها) أي في العدة بعد فراغ الأجل (لإذن) من الحاكم؛ لأن إذنه حصل بضرب الأجل أولا” [الشرح الكبير:480/2].
وحكم المفقود في بلاد المسلمين، أن تنتظر زوجته أربع سنين قبل الاعتداد عليه؛ فعن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: “أَيُّمَا امْرَأَةٍ فَقَدَتْ زَوْجَهَا، فَلَمْ تَدْرِ أَيْنَ هُوَ؟ فَإِنَّهَا تَنْتَظِرُ أَرْبَعَ سِنِينَ، ثُمَّ تَعْتَدُّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا، ثُمَّ تَحِلُّ” [الاستذكار:380/5]، وقال الدسوقي رحمه الله: “والحق أن تأجيل الحر بأربع سنين والعبد بنصفها تعبديٌّ؛ أجمع الصحابة عليه” [حاشيته على الشرح الكبير:479/2].
وفيما يتعلق بماله، ومنه قطعة الأرض المذكورة؛ فإن لم يتحقق من موته، فيعد في حكم المفقود، لا يقسم ماله حتى يمضي عليه سنين التعمير، وهي سبعون سنة على المشهور، قال ابن رشد رحمه الله: “وأما ماله، [أي: المفقود] فموقوف، لا يورث عنه حتى يتحقق موته، أو يأتي عليه من الزمان ما لا يحيا إلى مثله، واختلف في حد ذلك، فروي عن ابن القاسم سبعون سنة، وقاله مالك، وإليه ذهب عبد الوهاب، واحتج له بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أعمار أمتي ما بين الستين إلى السبعين)؛ إذ لا معنى لقوله إلا الإخبار بما يتعلق به الحكم..” [المقدمات والممهدات:531/1]، وذلك يكون بحكم من القضاء، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد ميلاد قدور
محمد علي عبد القادر
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
19/جمادى الآخرة/1437هـ
28/مارس/2016م