بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (2953)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
نظرا لحاجة أهل المنطقة لصالة مناسبات، نريد أن نجعل الدور الثاني من المسجدِ محلًّا لذلك، فنجري فيه عقود الزواجِ، ونجلسُ فيه للعزاء، وذلك لاستغناء المسجد عنهُ في الوقتِ الحاضر، وسنقومُ ببناء جدارٍ لفصل الصالةِ عن الدور الأول؛ لوجود فتحةٍ في الدور الثاني، تطلُّ على المحرابِ والصفوفِ الأولى، وسنجعل للصالة مدخلًا خاصًّا، فما حكم ذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنه لا يجوز تغيير الحبس عما حبس عليه، فشرط الواقفِ كنصِّ الشارع، خاصة إذا كانَ الحبس مسجدًا، قال القاضي ابن العربي رحمه الله: “المسجد من جملة الأحباس اللازمة، بل هو من أوكدها؛ لأنها خالصة لله، ومضافة إليه” [المسالك:461/6].
والدور الثاني جزءٌ من المسجد، ولا يجوز تحويل المسجد إلى صالةِ مناسبات اجتماعية؛ قال الله عز وجل: ﴿فَمَن بَدَّلَهُ بَعْدَمَا سَمِعَهُ فَإِنَّمَا إِثْمُهُ عَلَى الَّذِينَ يُبَدِّلُونَهُ إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾ [البقرة:181].
ويمكن أن يتمّ عقد القِران في المسجدِ، بشرطِ المحافظة عليه، وتنزيهِه عمّا لا يليقُ به، كاللغوِ وارتفاعِ الأصوات، وتركِ فضلاتِ الطعام؛ قال تعالى: (فِي بِيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرْفَعَ وَيُذْكَرَ فِيهَا اسْمُهُ) [النور:36]، قال ابن كثير رحمه الله: “أمر الله برفعها، أي: بتطهيرِها من الدنس واللغو، والأفعال والأقوال التي لا تليقُ فيها” [تفسير القرآن العظيم:62/6]، وقال النبيّ صلى الله عليه وسلم: (إياكم وهَيشاتِ الأسواق) [مسلم:432]، يعني في المساجد، قال النووي رحمه الله: “أي: اختلاطها، والمنازعة والخصومات وارتفاع الأصوات واللغط والفتن التي فيها” [شرح مسلم:156/4].
أما الجلوس للتعزية، والتصدي لها، مع صنع الطعام والولائم، فهو منهي عنه؛ لقول جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه: (كنّا نرى الاجتماع إلى أهل الميت وصنعة الطعام من النياحة) [ابن ماجه:1612]، وأكثر العلماء يكرهون أن يجتمع أهل الميت في مكان، ويعملون مأتـمًا؛ ليقصدهم من يريد تعزيتهم، بل ينبغي لهم أن ينصرفوا في حوائِجهم، فمَن صادفهم عزّاهم في الطريق، أو في السوق، أو في محل عملهم، قال أبوبكر الطرطوشي رحمه الله: (قال علماؤنا المالكيون: التصدي للعزاء بدعةٌ ومكروه، فأما إنْ قعد في بيته، أو في المسجد محزونًا، مِن غير أن يتصدى للعزاء، فلا بأس) [الحوادث والبدع:327].
والمآتم اليوم لا تخلو من الغيبة والنميمة، والاستهزاء والسخرية، والتدخين، وكل ذلك ممنوع مطلقا، وهو في المسجد أشدُّ، ويضاف إليها في المنع في المسجد؛ البيعُ والشراءُ، والتشويشُ على المصلين والتالين والذاكرين، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد محمد الكوحة
أحمد ميلاد قدور
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
09/شعبان/1437هـ
16/مايو/2016م