طلب فتوى
البيعالفتاوىالمعاملات

مرابحة فاسدة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (2956)

 

السادة/ بشركة الزيوت النباتية المساهمة.

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

تحية طيبة؛ وبعد:

فبالإشارة إلى مراسلتكم، بخصوص طلب الفتوى الشرعية، بشأن ما قامت به شركة الزيوت النباتية؛ بإبرام اتفاق مع شركة الإنماء للاستثمارات الصناعية والخدمية القابضة، يقضي بقيام الشركة الأخيرة بتقديم تمويل قصير الأجل، بمبلغ خمسة مليون دينارٍ، على نظام المرابحة الإسلامية، بهامش ربح نسبته 2.5% للشحنة، وبما لا يتجاوز 5% سنويا، علمًا بأن المبلغ الممول به ليس من أموال الشركة الصناعية القابضة، بل هو من أموال صندوق الإنماء الاقتصادي والاجتماعي، منح لشركة الزيوت النباتية.

وقد قامت شركة الإنماء للاستثمار بتوريد شحنة زيت ومستلزماتها، خلال عام 2015م، واستلمت من قبل شركة الزيوت النباتية، وقد تم إجراء التسويةِ النهائية بين الشركتين؛ وفقًا لمحضر التسويةِ المبرم بين الطرفين, فنرسل لكم العملية التي تمت، والعمليات التي ستتم مستقبلا، ونسأل: هل تتفق مع مبادئ وأحكام الشريعة الإسلامية؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فبعد الاطلاع على المستندات المقدمة من شركة الزيوت النباتية المساهمة، والعقود التي أبرمتها مع شركة الإنماء، للاستثمارات الصناعية والخدمية القابضة، تبيَّن أنَّ المعاملة المسؤول عنها غير مشروعة؛ لتضمنها الرّبا، وإنْ جرى تسميتها باسمِ المرابحة، وبيان ذلك كالتالي:

أنَّ المرابحة من بيوع الأمانة، وهي: بيع سلعة بالسعر الذي قامت به (بالتكلفة)، مع إضافة ربح معلوم.

وتنقسم قسمين؛ مرابحة بسيطة، ليس فيها إلَّا طرفان؛ بائعٌ ومشترٍ، ومرابحةٌ مركبة، أو مرابحة للآمر بالشراء، وفيها ثلاثة أطرافٍ، حيث يقوم شخص بوعد غيره، بأنَّه لو اشترى سلعة محددة فإنه سيُربحه فيها ربحًا معينًا، يتفقان عليه، ويُحتاج إلى المرابحة المركبة عندَ عدم امتلاكِ البائعِ للسلعة ابتداءً، وإنما يشتريها بناءً على طلبِ الآمر، الواعد بالشراء.

ويشترط لصحة المرابحة شروط، من أهمها:

1) كون السلعة ممَّا يباح بيعه.

2) تملك البائعِ السلعةَ قبل بيعها.

3) تحديد تكلفة السلعة، والربح المضاف إليها؛ إما بمبلغ مقطوع، أو بنسبة من التكلفة.

4) أن يكون وعد المتمول بالشراء من الممول بعد أن يتملك السلعة، غيرَ ملزم لأيٍّ من طرفي العقد، بحيث يمكن لكل منهما العدول عن إتمام البيع، دون أن يحمل أي تبعات.

وبالنظر في العقد المبرم بين شركة الزيوت النباتية المساهمة، وشركة الإنماء للاستثمارات الصناعية والخدمية القابضة؛ نجد أنَّه عقد إقراض بفائدة – وهو ربا محرم – وإن سُمِّي بالمرابحة، وذلك لأنّه:

أولًا: لا وجود لعقد بيع، وإنَّما نصَّت المادة رقم (6) على تعهُّد الطرف الأول (شركة الإنماء)، ببيع المواد الموردة للطرف الثاني (شركة الزيوت النباتية) عند وصولها، بسعر التكلفة، بالإضافة إلى 2.5% لكل شحنة، بما لا يزيد على 5% في السنة، وهذا ليس بيعًا، وإنَّما هو وعد بالبيع.

ثانيًا: نصَّت المادة (4) على أنَّ الطرف الثاني (شركة الزيوت النباتية)، هي من تُتَابع عملية التوريد، وتقوم بكافة الإجراءات بالموانئ والجمارك، ونقل المواد الموردة إلى مخازنها، وتكون مسؤولة عن أي غرامات تأخير بسبب ذلك، أو عن أي نقص في الكميات، أو عدم مطابقة المواد الموردة للمواصفات القياسية، ممَّا يعني أنَّ الشحنة الموردة هي في ضمان شركة الزيوت النباتية، ولا يتحمل الطرف الأول (شركة الإنماء) أي تبعات في هذا العقد، وهذا يؤكد أنَّه لا وجود لحقيقة البيع، وإنما هو قرض من شركة الإنماء لشركة الزيوت النباتية للتوريد؛ لأن مثل هذه الإجراءات في تخليص السلعة، وتحمل ضمانها في عقود البيع، إنما يتحملها البائع، لا المشتري.

ثالثًا: لا ذكر في العقد لتاريخ سداد ثمن السلعة، فقد نصَّت المادة (5) على إيداع الإيرادات المالية لعلميات البيع في حسابٍ للطرف الأول، مخصص لذلك، وعلى الطرف الثاني بذل الجهد لتسريع عملية البيع.

كما نصَّت المادة (6) على إيداع شركة الزيوت المبالغ المحصلة من البيع، في الحساب المخصص للطرف الأول.

ونصَّت المادة (7) على التزام الطرف الأول (شركة الإنماء)، بصرف نسبة الطرف الثاني من إيرادات البيع بصورة شهرية، بعد خصم الدَّين (قيمة المواد الموردة والمصاريف وهامش الربح).

وكلُّ هذا دالٌّ على أنَّ تاريخ استيفاء قيمة السلعة الموردة غير معلوم، وإنَّما يُبنى على سرعة البيع وعدمه، فيكون أجل التسديد مجهولًا وهو مما يفسد العقد.

رابعًا: ومما يؤكد صورية البيع، وأنه لا حقيقة للمرابحة، وإنما العملية عملية إقراض؛ ما نصَّت عليه المادة (11)، من تعهد شركة الزيوت النباتية بعدم استخدام الإيرادات الناتجة عن عملية البيع، إلَّا في أغراض توريد المواد الخام ومستلزمات التشغيل؛ فإن البائع لا يتحكم في إيرادات بيع المشتري للسلعة التي باعها له.

خامسًا: نصَّت المادة (8) على تعهد الطرف الأول (شركة الإنماء)، بمنح الطرف الثاني (شركة الزيوت النباتية) قرضًا، بدون أي زيادة؛ لشراء مستلزمات التشغيل.

وهذا يعني أنَّ العقد تضمن اجتماع بيع وسلف، وقد نهى النبي صلى الله عليه وسلم عن بيع وسلف.

وعليه؛ فإنَّ الواجب فسخ هذا العقد المحرم، وإزالة آثاره بالتخفيف من الأضرار الناتجة عنه قدر الإمكان، وذلك يكون بإحدى طريقتين:

الأولى: على اعتباره عقد إقراض، كما هي حقيقته، وإن كان في صورة سلعة، والقرض كما هو معلوم ضمانُه على المقترض، وغنمه له، فيكون الربح كله لشركة الزيوت، ورأس المال مضمون عليها، ربحت أم خسرت، ويجب رد رأس المال على الفور، دون فوائد ولا أرباح؛ لقول الله تعالى: )وإن تبتم فلكم رؤوس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون(.

الطريقة الثانية: على اعتبار الصورة صورة عقد المرابحة الفاسدة، وفسادها من جهة أنّ السلعة لم يبرم فيها عقد بيع، وأنها لا تزال، على ملك شركة الإنماء، فيكون بناء على ذلك لشركة الزيوت أجرة المِثْلِ على ما قامت به؛ من تسويق ومن خدمات أخرى، متعلقة بإجراءات التعاقد والتخليص وغيرها، ويكون الربح كله لشركة الإنماء، والخسارة عليها؛ لأن السلعة والمواد لا تزال على ملكها، إلا إذا ثبت التعدي من الطرف الآخر؛ فيكون ضامنا بقدر تعديه.

هذا ونُقدِّر لشركة الزيوت النباتية اهتمامها، وسؤالها عن الحكم الشرعي، ولكن تمنينا أن يكون هذا قبل الوقوع في الإثم والمخالفة، لا بعده؛ لذا، ننصح بعد فسخ هذا العقد، أن يعرض عقد التمويل الجديد على خبير شرعي؛ للتأكد من سلامته من المخالفات الشرعية، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

نادر السنوسي العمراني

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

 

مفتي عام ليبيا

10/شعبان/1437هـ

17/مايو/2016م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق