الحبس على الذكور دون الإناث
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5787)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
جاء في وثيقة الحبس: “أن السيد م ش ص قد حبَّس وأبَّد وسرمد-ثم ذكر الموثق الأماكن، والحدود المراد تحبيسها- على ابنه لصلبه البالغ الرشيد م، ثم على أعقاب ابنه المذكور الذكور خاصة، ثم على أعقاب أعقاب ابنه المذكور وأعقاب أعقاب أعقابهم ما تناسلوا وامتدت فروعهم في الإسلام، الذكور منهم خاصة في جميع الطبقات دون الإناث، فإن انقرض الذكور عن آخرهم رجع وقفًا على عقبهم من الإناث، ثم على أعقابهن ذكورًا وإناثًا، فإن انقرض الموقوف عليهم المذكورون بالكلية رجع الوقف وقفًا على زاوية الشيخ سيدي أحمد بن محمد بن عيسى البرنسي الشهير بزروق” ثم جاء فيها: “أن الأنثى من أولاد صلب الواقف تستحق من الحبس المذكور قدر نصيبها منه أن لو كان غير وقف، بشرط فقرها وعدم منفِقٍ عليها نفقةً واجبة”، فهل تعدُّ وثيقة التحبيس هذه سندًا قاطعًا للملكية، دون الرجوع إلى حجج ووثائقِ الشراء؛ لضياعها بين ورثة الواقف؟ وهل عدم حوز بعض الورثة للأراضي الموقوفة لغياب الوثيقة عن بعضهم، وعدم فهم البعض الآخر لمضمونها، تُسقِطُ حقَّهم فيها؟ وهل حوز غير الموقوف عليهم كافٍ شرعًا؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالحبس على الذكور دون الإناث هو محل اختلافٍ بين أهل العلم، والصوابُ الذي ترجحه الأدلة الشرعية أنه غير جائزٍ شرعًا؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (اتّقُوا اللهَ وَاعْدِلُوا بَيْنَ أَوْلاَدِكُمْ) [البخاري: 2587]، وفي المدونة: “رَوَى ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ حَزْمٍ، أَنَّهُ حَدَّثَ عَن عَمْرَةَ بِنْتِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، أَنَّهَا ذَكَرَتْ أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها إذَا ذَكَرَتْ صَدَقَاتِ النَّاسِ الْيَوْمَ، وَإِخْرَاجَ الرِّجَالِ بَنَاتِهِمْ مِنْهَا، تَقُولُ: مَا وَجَدتُّ لِلنَّاسِ مَثَلاً الْيَوْمَ فِي صَدَقَاتِهِمْ، إِلّا كَمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى: ﴿وَقَالُواْ مَا فِي بُطُونِ هَٰذِهِ ٱلۡأَنۡعَٰمِ خَالِصَةٞ لِّذُكُورِنَا وَمُحَرَّمٌ عَلَىٰٓ أَزۡوَٰجِنَاۖ وَإِن يَكُن مَّيۡتَةٗ فَهُمۡ فِيهِ شُرَكَآءُۚ﴾” [المدونة: 423/4]، وقال الإمام مالك رحمه الله في رواية عنه: “إِنَّهُ مِنْ عَمَلِ الْجَاهِلِيَّةِ” [شرح الخرشي: 88/5]، وهو اختيار الشيخ خليل رحمه الله، فقد قال: “وَحَرُمَ -أَيْ الْوَقْفُ- عَلَى بَنِيهِ دُونَ بَنَاتِهِ” [مختصر خليل: 212]، وهو المعتمد في أكثر المذاهب.
والحبس على الذكور دون الإناث باطلٌ بالقانون الصادر سنة 1973م، المستند للفتوى الشرعية الصادرة من مفتي ليبيا السابق؛ الشيخ الطاهر الزاوي رحمه الله، التي أيّدها قرار مجلس البحوث والدراسات الشرعية التابع لدار الإفتاء، رقم (1) لسنة 1443هــ 2022م، بتعديل القرار رقم (1) لسنة 1435هـ 2014م بشأن الوقف المعقب، ونصّه:
- التأكيد على ما جاء في فتوى دار الإفتاء السابقة، من إلغاء الوقف على الذكور دون الإناث والقانون الذي وافقها في هذا الخصوص.
- بطلان هذا النوع من الوقف من تاريخ صدور القانون رقم 16 لسنة 1973م، ويعمل بهذا القانون القاضي ببطلان عموم الوقف الذري، بالشق الخاص منه بالوقف على الذكور دون الإناث في الطبقة الأولى خاصة؛ لما فيه من الحيف والجور، دون غيره من الوقف الذري، الذي لا جور فيه؛ لأنه يدخل في أبواب البر.
- إمضاء الوقف على الذكور دون الإناث الواقع قبل الإلغاء، إن حكم به حاكم؛ لأن حكم الحاكم يرفع الخلاف.
- تتم قسمة الوقف الذي حكم ببطلانه على ورثة المحبس الموجودين من الذكور والإناث وقت نفاذ القانون، بتاريخ: 24/ 04/ 1973م، ويعتبر المحبس كأنه ماتَ في هذا التاريخ، فمن ماتَ أصله قبل سنة (1973م) وكان هذا الأصل أنثى؛ فإنه لا يرث، ولا يدخل في القسمة، ومن استحق شيئًا من الموجودين يوم إلغاء الوقف بمقتضى الفريضة الشرعية؛ ذكورًا وإناثًا، فله التصرّف في نصيبه بالبيع والهبة ونحوه.
عليه؛ فيقسم الحبس المذكور -المُفْتَى ببطلانه- على ورثة المحبس، بتقدير موته بتاريخ: 24/04/1973م، وينتقل نصيبهم إلى ورثتهم من بعدهم، فمن كانت حيّةً من بنات المحبس في التاريخ المذكور؛ فإن لورثتها المطالبة بنصيبها، ومن توفيت قبل هذا التاريخ؛ فليس لورثتها المطالبة به.
ولا يفيد هذا التحبيس سند ملكية إذا كان أصل ملكية المحبِّس للعقارات متنازعا عليه، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
19//ربيع الأول//1446هـ
22//09//2024م