طلب فتوى
الأسرةالطلاقالفتاوى

حكم طلاق السكران

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5805)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

طلقت زوجتي وأنا في حالة سكر تام؛ لأني كنت أتعاطى المخدرات، وتم إبلاغي بالطلاق بعد فترة، فلم أكن على دراية بما صدر مني حينها، وكان قولي: (طالق طالق طالق)، فما الحكم؟

الجواب:

الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أمّا بعد:

فما ابتُليَ بهِ السائل مِن تعاطي المخدرات، فأخرجه من دائرة العقلاءِ، محرَّمٌ من كبائر الذنوب، يجعل بهِ نفسه في منزلةِ الحيواناتِ غيرِ العاقلةِ، ويرضى أن يضعها في هذه الحالة الخسيسة التي تغضِبُ اللهَ، فإنّ الله حرَّم الاعتداء على العقل، كما حرَّم الاعتداء على الدماء والأموال والأعراض.

والسائل لم يُبَالِ بهذا كله، ولم يَشْعُرْ بالندم، ولا بالخوفِ من الله تعالى؟ وكلُّ ما أهمَّه من الأمر وأقضَّ مضجعه، هو مجرّدُ سؤاله عن طلاق زوجته؛ هل وقعَ أم لا؟ وكانَ الأجدرُ به أنْ يسألَ: كيفَ أصنعُ لأتوبَ إلى اللهِ من هذه المعصيةِ الكبيرةِ؛ ليقبلَ اللهُ توبتي، وما السبيلُ إلى ذلك؟ وأن يعبِّرَ عن ندمه وخوفه من اللهِ، قبل أنْ يلقاهُ وهو غاضبٌ عليه، هذا هو الذي كان على السائل أن يفعله، قبل أن يسألَ عن طلاقِ زوجته، أصلحَ اللهُ أمره.

أمَّا فيما يتعلَّقُ بوقوع الطلاقِ من عدمِه؛ فإنَّ العقل هو مَناطُ التّكليفِ والمؤاخذةِ بالأقوالِ والأفعال، فإذا كان المطلِّقُ يعِي ما يقول، ويقصدُ ما يتكلَّـمُ به؛ فالطلاق واقعٌ، وأمّا إن غابَ عقلُه فلم يدركْ أو يعلمْ ما صدرَ منه، وطلّقَ في هذه الحالة، فلا يقع طلاقه، ولا شيءَ عليه؛ لأنَّه صار في حكم المجنون، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَن ثَلَاثَةٍ؛ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظِ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ المجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ) [أَبُودَاود: 4398]، وفي المدوّنة: “قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيدٍ رحمه الله: مَا نَعْلَمُ عَلَى مَجْنُونٍ طَلَاقًا فِي جُنُونِهِ، وَلاَ مَرِيضٍ مَغْمُورٍ لاَ يَعْقِلُ، إِلاَّ أَنَّ المجْنُونَ إِذَا كَانَ يَصِحُّ مِن ذَلِكَ، وَيُرَدُّ إِلَيْهِ عَقْلُهُ، فَإِنَّهُ إِذَا عَقلَ وَصَحَّ جَازَ أَمْرُهُ كُلّهُ، كَمَا يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ”[المدونة: 2/84].

عليه؛ فإنْ كانَ الواقع كما ذُكِر في السؤال، من أنَّ الزوجَ وقت إيقاع الطلاقِ غير مدركٍ لما يقول بسببِ المخدرات؛ فلا يلزمُه الطلاق، ولكنه آثمٌ مستوجبٌ لغضب الله، بارتكابه كبيرةً من كبائر الذنوب، فعليهِ أن يتوبَ مِن هذه الكبيرة.

وليعلمِ الزوجُ أنَّ وقوعَ الطلاق من عدمهِ متوقِّفٌ على صدقِه فيما أخبرَ به، مِن عدمِ إدراكه لما وقعَ منه مِن التلفُّظِ بالطلاقِ، وأمَّا إن كان الواقعُ خلافَ ما ذَكَر، بأن كان مدركًا لما وقَع منه من الطلاقِ؛ فإنّ هذه الفتوى لا تفيدُه؛ والطلاقُ لازمٌ له، والله أعلم.

وصلّى الله على سيّدنا محمّد وعلى آله وصحبه وسلّم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

حسن بن سالم الشّريف

 

الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

03//ربيع الآخر//1446هـ

06//10//2024م 

 

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق