مسوغات الهبة لبعض الأولاد دون بعض
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5814)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
توفيت زوجتي منذ نحو عشرة أعوام، ولي ابنة مقيمة معي لم تتزوج، وهي قائمة برعاية شؤوني الخاصة، ولي مبنى فيه أربع شقق، حيث أسكن بالطابق الأرضي، وتسكن ابنتي هذه بالشقة التي بالطابق الأول، وأريد أن أكتب هذه الشقة باسمها بعقد موثق، مكافأة لها لبرها، دون علم باقي أبنائي، حتى لا يقع شيء بينهم، ولن أحرم باقي الورثة من نصيبهم الشرعي في الأملاك الأخرى، فهل يجوز ذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ من ملك شيئًا حُقّ له التصرّف فيه كيف شاء؛ ببيع أو هبة، أو نحوها من التصرّفات الجائزة، والهبة لا تتم إلا بالحيازة، وهي تصرّف الموهوب له في الهبة تصرّف المالك في ملكه، قال ابن أبي زيد رحمه الله: “وَلَا تَتِمّ هِبَةٌ وَلَا صَدَقَةٌ وَلَا حُبُسٌ إِلاَّ بِالحِيَازَةِ” [الرسالة:117].
ويشترط للهبة ألَّا يكون الغرض منها حرمانَ الورثة والإضرارَ بهم؛ لمخالفتها قصدَ الشارع من قسمة الميراث بالعدل، قال تعالى: ﴿يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلَادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ﴾ [النساء:11]، وأما إذا كان الغرض من الهبة مراعاةَ الضعيف أو المريضِ، أو الأكثرِ برًّا وإحسانًا؛ فلا حرج فيها، فقد قال ابن رشد رحمه الله: “وَسُئِلَ مَالِكٌ: عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ لَهُ وَلَدٌ فَيُبِرُّهُ بَعْضُهُمْ، فَيُرِيدُ أَنْ يُعْطِيَهُ مِنْ مَالِهِ دُونَ بَعْضٍ، أَذَلِكَ لَهُ؟ قَالَ: نَعَمَ، لاَ بَأْسَ بِهِ، ذَلِكَ لَهُ. قال محمد بن رشد: إِنَّمَا أَجَازَ مَالِكٌ أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ العَطِيَّةَ لِمَنْ يبرّهُ مِنْهُمْ؛ لأنَّهُ لَمْ يقْصد بِذَلِكَ إِلَى تَفْضِيلِ بَعْضِ وَلَدِهِ عَلَى بَعْض، وَإِنَّمَا أَعْطَى البَار جزاء على بره، وحرم العاقَّ أدبًا لعقوقه، فلا مكروه في ذلك إن شاء الله. وَإِنَّمَا المكْرُوهُ أَنْ يفضل بَعْضَ وَلَدِهِ عَلَى بَعْضٍ، فَيَخُصّه بِعَطِيّةٍ، مَخَافَةَ أَنْ يَكُونُ ذَلِكَ سَبَبًا إِلَى أَنْ يَعُقّهُ الّذِي أَحْرَمَهُ عَطِيّتَهُ، أَوْ يُقَصّرِ فِيمَا يَلْزَمَهُ مِنَ البِرّ بِهِ” [البيان والتحصيل:13/400].
عليه؛ فإن كان الحال ما ذكر، فيجوز هذا التنازل عن الشقة للبنت لبرّها، وحيث إن البنت الموهوب لها ساكنة في الشقة، فقد حصلت لها الحيازة، وتكون الهبة بذلك صحيحة تامة، والأولى أن يعلم الورثة بهذه الهبة؛ لأنهم في وجود أبيهم يسهل إقناعهم وإرضاؤهم، بخلاف ما إذا فوجئوا بها بعد الموت، فإنها تحصل الضغائن، ويترتب على ذلك التناكر والخصومات، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
عبد الرحمن بن حسين قدوع
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
05//ربيع الآخر//1446هـ
08//10//2024م