حكم قيادة طائرة على متنها خمور
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5828)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أنا قائد طائرات تجاريّة؛ أي الّتي تنقل الركاب أو تشحن البضاعة، وليس لي مجال أعمل فيه بشهادتي غير قيادة الطائرات؛ ووظيفتي في أصلها وعقد العمل الذي بيني وبين شركات الطيران هو القيام بتوصيل الركاب من وجهة إلى أخرى، أو توصيل بضاعة.
وهناك بعض الشّركات الّتي تقدّم الخمور للركّاب على متن الرّحلة، هذه الخمور لا تصل إلينا في مقصورة القيادة، وهي ممنوعة بالنّسبة للطيّارين، ولكنّها موجودة في خِزَانَاتِ الطّائرة، ويُقدمها الْمُضيِّفون للركاب، فهل يجوز العمل في هذه الشركة؟
الجواب:
الحمد لله، والصّلاة والسّلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أمّا بعد:
فإن الله تعالى إذا حرّم شيئا حرم طرقه والوسائل المفضية إليه، وأوجب على كلّ مكلّف النّصح والإنكار بالحكمة والموعظة الحسنة، والخمر من الخبائث المحرمة شرعا، قال الله تعالى: (يَٰٓأَيُّهَا ٱلَّذِينَ ءَامَنُوٓاْ إِنَّمَا ٱلۡخَمۡرُ وَٱلۡمَيۡسِرُ وَٱلۡأَنصَابُ وَٱلۡأَزۡلَٰمُ رِجۡسٞ مِّنۡ عَمَلِ ٱلشَّيۡطَٰنِ فَٱجۡتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمۡ تُفۡلِحُونَ) [المائدة: 90]، ولعن رسول الله صلى الله عليه وسلم عشرة أصناف من النّاس في الخمر، فقال صلى الله عليه وسلم: (لعَنَ اللهُ الخَمْرَ وشارِبَها وساقِيَها، وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا، وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا، وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَةَ إِلَيْهِ) [أبو داود: 3674، وسكت عنه]، وفِي البيانِ والتّحصيلِ: ” قَالَ ابنُ الْقَاسِمِ: أَمَّا الَّذِي يُكْرِي بَيْتَهُ مِن خَمَّارٍ أَوْ يَبِيعَهُ مِمَّنْ يَبِيعُ فِيهِ خَمْراً فَإِنَّهَا لاَ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ إِلاَّ أَن يُعْذَرَ بِجَهْلٍ، [قالَ ابنُ رشدٍ]: وَإِنَّمَا لَمْ يُجِزِ ابْنُ الْقَاسِمِ شَهَادَةَ مَن يُكْرِي حَانُوتَهُ مِمَّن يَبِيعُ فِيهَا خَمْراً؛ لِأَنَّ فِعْلَ ذَلِكَ عَوْنٌ عَلَى مَا لاَ يَحِلُّ مِنْ بَيْعِ الْخَمْرِ الَّتِي لَعَنَ اللهُ تعالى عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم مَنِ اسْتَبَاحَهُ فَقَالَ: (لَعَنَ اللهُ الْخَمْرَ وَعَاصِرَهَا وَمُعْتَصِرَهَا وَبَائِعَهَا وَمُبْتَاعَهَا وَحَامِلَهَا وَالْمَحْمُولَة إِلَيْهِ وَشَارِبَهَا وَسَاقِيَهَا وَآكِلَ ثَمَنِهَا)، فَالْعَوْنُ عَلَى مَا لَا يَحِلّ لاَ يَحِلّ، قَالَ تَعَالَى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡبِرِّ وَٱلتَّقۡوَىٰۖ وَلَا تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلۡإِثۡمِ وَٱلۡعُدۡوَٰنِۚ) [المائدة: 2] .. وَهْوَ أَعْدَلُ الْأَقْوَالِ وَأَوْلاَهَا بِالصَّوَابِ” [10/31].
والأولى للسائل أن يبحث عن عمل في شركات طيران تمنع استعمال الخمور على رحلاتها، وهي كثيرة، وهذا أبرأُ لدينه، والأجدر به أن يعمل عليه، فإن تعذر عليه ذلك، ولم يجد عملا غير هذه المهنة؛ فلا حرج عليه في العمل أن يقود طائرة على متنها خمر؛ بناءً على تفسير أبي حنيفة رحمه الله لحامل الخمر في الحديث، بمَن حملها بقصدِ تسهيلِ شربها، فإنه ملعونٌ حالَ حملها بهذه النية، ولا يأثمُ إن كان القصدُ من الحمل تحصيلَ الأجرة، ولم يقصدِ الإعانة على شُربِهَا، قال المرغيناني رحمه الله: “قَالَ: وَمَن حَمَلَ لِذِمّيٍّ خَمْراً، فَإِنَّهُ يَطِيبُ لَهُ الْأَجْرُ عِندَ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمّدٌ رحمهما الله: يُكرَه لَه ذَلكَ؛ لِأَنّهُ إِعَانَةٌ عَلَى الْمَعْصِيَةِ، وَقَدْ صَحّ أَنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم لَعَنَ فِي الْخَمْرِ عَشْراً: (حَامِلَهَا، وَالْمَحْمُولَ إِلَيْهِ)، وَلَهُ [أي: أبي حنيفة]: أَنَّ الْمَعْصِيَةَ فِي شُرْبِهَا، وَهْوَ فِعلُ فَاعِلٍ مُخْتَارٍ، وَلَيسَ الشّربُ مِن ضَرُورَاتِ الْحَمْلِ وَلاَ يُقْصَدُ بِهِ. وَالْحَدِيثُ مَحْمُولٌ عَلَى الْحَمْلِ الْمَقْرُونِ بِقَصْدِ الْمَعْصِيَةِ” [الهداية: 4/378-379]، قال العيني رحمه الله: “(وَلاَ يُقصَدُ بِهِ) أي: لاَ يَقصِدُ الْحَامِلُ بِالْحَمْلِ شُرْبَ الذّمّي، بَلْ تَحْصِيلَ الْأُجْرَةِ” [البناية شرح الهداية: 12/224]، والله أعلم.
وصلّى الله على سيّدِنا محمّدٍ وعلى آلهِ وصحبِه وسلّم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشّريف
الصّادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
17//ربيع الآخر//1446هـ
20//10//2024م