طلب فتوى
التبرعاتالفتاوىالمعاملاتالمواريث والوصاياالوقف

التحبيس على الذكور دون الإناث في الطبقة الثانية صحيح

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (5855)

 

ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:

جاء في وثيقةٍ ما نصه: “أوصى الحاج م ع س ق أنه إذا أتاه أجله المحتوم، وتوفاه الحي القيوم، فقد أوصى بثلث مخلفاته مما له بال، ويطلق عليه اسم مال، قليل الأشياء وكثيرها، لأبناء ابنيه وهما: هـ و ج إن قدر الله بذلك الذكور دون الإناث طبقة بعد طبقة حتى يرث الله الأرض ومن عليها؛ قاصدا بذلك وجه الله العظيم، فمن بدل فالله حسبه والمجازي له، ثم ذكر الشهود، ومنهم الشيخ محمد بن سالم رحاب، مؤرخة: بخمسة وأربعين بعد الثلاثمائة وألف، ويتلوها: حضر هـ و ج أبناء الحاج م ع س ق المذكور، وأشهدا أنهما قبلا لأبنائهما ما أوصى به الحاج م ع س ق الموجودين الآن ولمن سيوجد ثم ذكر الشهود…”، ونحن أبناء (م هـ م ع) أحد أحفاد الموصي، وقد آل لنا جزءٌ من الأرض الموصى بها من طريق أبينا، ونحن الآن بصدد الانتفاع بها، والسؤال: هل يجوز لنا بيع أو استبدال جزء من أرض الوصية بأرض ملك لنا، بنفس المساحة والقيمة والمنطقة؛ لغرض بناء سكن لنا واستصلاح الأرض، حتى يتيسر لنا البقاء فيه؛ لكونِ سكننا الحالي بعيدًا عنها؟ وهل يجوز للموصى لهم بناءُ سكن أو مخازن (هناجر) للإيجار؟ وهل يجوز لنا تمكين أخواتي البنات من البناء في أرض الوصية معنا للاستئناس بنا، في مقابل تنازلهم عن أرض ملكٍ لهم لصالح الوقف في مكان آخر؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإنَّ هذه الوصية من قبيل الحبس المعقب في الطبقة الثانية، وهو صحيح يجب تنفيذه، والحبس لا يجوز التصرف فيه بالبيع ولا المناقلة؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لعمر في صدقته: (أمسك أصلها، وسبل الثمرة)، وقول عمر بعد ذلك: “لا يباع ولا يوهب ولا يورث” [النسائي:6432].

وعليه؛ فإن كان الحال كما ذكر، فلا يجوز للمحبس عليهم التصرفُ بالبيع أو استبدال أرض الوقف بأرض أخرى مملوكة لهم، لما في ذلك من مخالفةِ ما نصَّ عليه المحبس، بقوله: “طبقة بعد طبقة”؛ لتعلّق حق من لم يأت من العقب بغلّة الحبس؛ ففي البيع تضييع لحقهم، والواجب قسمة غلة الثلث بين المستحقين، أو تقاسم الانتفاع بها بأنفسهم، أو قسمة الأرض بينهم مهايأة باختصاص كل أحد بناحية منها.

أما البناء على هذه الأرض؛ فللموقوف عليهم أن يبني كلّ منهم فيما صح له من الأرض الموقوفة، سواء للسكنى أو للكراء، فإن كان للسكنى سكنها المحبس عليه، ثم تصير لمستحق الوقف من بعده، وأما إن كانت للكراء فإنه يكريها، ويأخذ من كرائها قدر ما أنفقه في البناء؛ ثم يكون البناء بعد ذلك للوقف، ويدخل معه في أخذ الكراء سائرُ الموقوف عليهم، قال ابن رشد رحمه الله: “قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: فِي الدَّارِ الْحُبُسِ عَلَى قَبِيلَةٍ فَيَأْتِي رَجُلٌ مِنْهُمْ فَيَبْنِي فِيهَا الْحَوَانِيتَ وَالْبُيُوتَ لِلْغَلَّةِ وَالسُّكْنَى… قال: أَمَّا السُّكْنَى فَمَنْ سَكَنَ مِنْهُمْ فَهُوَ أَوْلَى بِمَا سَكَنَ مِمَّا يَكْفِيهِ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ، وَأَمَّا مَا بَنَى لِلْغَلَّةِ فَيَنْبَغِي أَنْ يُقَاضِيَ نَفْسَهُ بِمَا يَسْتَوْفِي مِنَ الْخَرَاجِ، فَيَتَقَاضَى مِنَ الْخَرَاجِ مَا أَنْفَقَ فِي الْبُنْيَانِ، فَإِذَا تَقَاضَى مَا أَنْفَقَ فِي الْبُنْيَانِ فَالْكِرَاءُ بَعْدَ ذَلِكَ لِجَمِيعِ مَنْ حُبِّسَ عَلَيْهِ” [البيان والتحصيل: 12/279].

وأما تمكين أخوات المحبس عليهم من أرض الحبس بالبناء وغيره فلا يجوز؛ لأنّه مخالف لنص المحبس، وهو قوله: “الذكور دون الإناث طبقة بعد طبقة”، فلا يشملهم الحبس، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد بن ميلاد قدور

حسن بن سالم الشريف

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

30 جمادى الأولى 1446هـ

2024.12.01م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق