بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5862)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
لديَّ حساب في مصرفٍ خارج البلد، اسمه: (كويت ترك)، وبه مبلغ مالي، وهذا المصرف يوفر عقود استثمار لعملائه الراغبين في تنمية أموالهم، ومن ضمن هذه العقود عقد مشاركة (كما سمَّوْه)، يختار فيه العميل المجال الذي يرغب الاستثمار فيه، إما الذهب وإما الدولار، وله أيضًا تحديد مدة العقد، فإن اختار الدولار فيشترط أن يودع القيمة في حسابه بالدولار، ثم يقوم المصرف بتصريفها إلى الليرة التركية عن طريق المصرف المركزي التركي، وتُسجَّل قيمة صرف الدولار وتُحفَظ، وفي نهاية مدة العقد يُعطى العميل أرباحه إن وجدت – وهي غير محددة بالنسبة، وإنما تتراوح ما بين 15% إلى 85% – بالإضافة إلى رأس المال الذي دفعه، على أن البنك لا يضمن رأس المال أو الأرباح أو أي عوائد للعميل، كما في بنود العقد المرفق، ولكنهم نصوا في العقد ذاته على أن المصرف يحمي المستثمر من فروق أسعار الصرف، بمعنى أنه إن اختلف سعر الدولار وقت انتهاء العقد، فإن المصرف يدفع للمستثمر فرق سعر الصرف، بحيث لا يتأثر المستثمر من تذبذب الأسعار، ويكون دفع رأس المال والأرباح إن وجدت بالليرة التركية، ويمكن للعميل طلب شراء العملة الأجنبية في نهاية فترة الاستحقاقِ، إن أراد ذلك، فما حكم هذا العقد؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنَّ هذا العقدَ المسؤولَ عنه فيه اجتماع عقد قِراض ومصارفة، يكون فيه صاحب رأس المال -وهو صاحب الحساب هنا- شريكًا برأس ماله، والعامل -وهو المصرف- شريكًا بجهده وعمله؛ واجتماع القراض مع المصارفة في جوازه اختلاف بين أهل العلم.
وعلى جوازه فيشترط لصحة القراض شروط، منها: أن يكون الربح معلومًا بالنّسبة كالنصف أو الثلث، قال الدردير رحمه الله عند تعداده لشروط القراض: “(بِجُزْءٍ) شَائِعٍ كَائِنٍ (مِنْ رِبْحِهِ) أَيْ: رِبْحِ ذَلِكَ الْمَالِ لَا بِقَدْرٍ مُعَيَّنٍ” [الشرح الكبير: 3/517]، ومما يمنع أيضًا أن يُضمن لصاحب رأس المال فروق سعر الصرف إذا تغير بين وقت العقد ووقت المخالصة؛ إذ لا يجوز في المضاربة ضمان عدم الخسارة لطرف مع احتمال وقوعها على الطرف الآخر.
والحكم كذلك إذا التُزم بالضمان وتُطوّعَ به في صلب العقد؛ لأنه في معنى الاشتراط.
والمصرفُ وإنْ صرح بعدم ضمان رأس المال ولا الأرباح في بنود العقد، فإنه أتى بما يناقض ذلك في نصه على حماية رأس المال من فرق السعر، عند نهاية العقد، وهذا هو عين ضمان رأس المال الممنوع شرعا في المضاربة، مما يجعل المعاملة قرضًا بفائدة، والربح عليه ربًا.
عليه؛ فلا يجوز الإقدام على هذا العقد وهو بهذه الشروط، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
30// جمادى الأولى// 1446هـ
01//12//2024م