بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5863)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
تزوجتُ من امرأة فلبّينية، كانت نصرانية وأسلمت، وأنجبتُ منها طفلة في الفلبين، ورجعتُ إلى ليبيا، ولم أحضرها معي بسبب جائحة كورونا حينها، ثم سافرتْ زوجتي إلى بلادٍ أخرى للعمل، وتركتِ ابنتنا في حضانة عائلتها النصارى، وأنا الآن أريد أن آتي بها معي إلى ليبيا، ولكن القانون عندهم يمنعني من ذلك حتى يبلغ عمر الفتاة سبع سنوات، وهي الآن ذات أربع، وأخشى عليها إن بقيَتْ معهم حتى السابعة أن يتأثر دينها، ممّا تُنَشَّأ عليه من طقوسٍ نصرانية، فقد زرتها ذات مرة فرأيت خالتها أضاءت لها شمعة، وطلبت منها أن تجثو على ركبتها، وتطلب منها أن تحفظهم وتحميهم.
فهل يحق لي شرعًا حضانة ابنتي؛ لكون أمها لا تقيم معها أصلا وترفض الرجوع، ولكوني أخشى على دينها؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فحق الأم في الحضانة إنما يثبت أصلا بعد الطلاق أو وفاة الزوج، وما دامت على ذمة زوجها فالحضانة حق للأبوين معًا، فحق الأب فيها كحق الأم، قال ابن عرفة رحمه الله: “وَمُسْتَحِقُّهَا [أي الحضانة] -وأبَوَا الوَلَدِ زَوْجَانِ- هُمَا” [المختصر الفقهي: 5/50]، وقال المنوفي مازجا كلامه بكلام صاحب الرسالة: “(والحضانة) حق (للأم)… (بعد الطلاق) وبعد الوفاة” [كفاية الطالب الرباني: 2/131].
وحتى لو وقع الفراق بين الزوجين، فإنه إذا سافر الأب عن بلد الطفل إلى بلد آخر يريد الاستقرار فيه، فإن من حقه أن يأخذ الطفل معه، ويُطلب من الأم أن تلحق بولدها إن شاءت، قال الخرشي رحمه الله: “فَإِنْ سَافَرَ الْوَلِيُّ السَّفَرَ الْمَذْكُورَ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ الْمَحْضُونَ مِنْ حَاضِنَتِهِ وَيُقَالُ لَهَا: اتْبَعِي وَلَدَك إنْ شِئْتِ” [شرح الخرشي: 4/ 215].
وهذا كله في الحضانة إذا لم يُخشَ على دين الولد الفساد وتغيره إلى غير دين المسلمين، فإذا خشي عليه ذلك وجب على الأب أخذه؛ إنقاذا له من النار، ولم يجز أن يبقى مع من يُفسِد دينه؛ لأن الفقهاء وإن أجازوا حضانة غير المسلمة، فإنهم قيدوا ذلك بعدم الخوف على دين الطفل، ففي التهذيب: “وَتُتْرَكُ الْجَارِيَةُ [أي: الفتاة] فِي حَضَانَةِ الْأُمِّ… وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الْأُمُّ فِي حِرْزٍ وَتَحْصِينٍ… أَوْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْضِيَّةٍ فِي نَفْسِهَا… فَلِلْأَبِ أَخْذُهَا مِنْهَا… وَكُلُّ مَنْ لَهُ الْحَضَانَةُ… لَيْسَ لَهُ كِفَايَةٌ وَلَا مَوْضِعُهُ بِحِرْزٍ وَلَا يُؤْمَنُ فِي نَفْسِهِ فَلَا حَضَانَةَ لَهُ، وَالْحَضَانَةُ لِمَنْ فِيهِ ذَلِكَ وَإِنْ بَعُدَ” [التهذيب في اختصار المدونة 2/399-400]، ونقل ابن رشد جواب ابن القاسم في مثل هذه المسألة، فقال: “مَعْنَى قَوْلِ ابْنِ القَاسِمِ فِي هَذِهِ الرّوَايَةِ أَنَّ الأَبَ أَوْلَى بِبَنِيهِ مِنْ خَالَتِهِمْ، يُرِيدُ النّصْرَانِيّةَ” [البيان والتحصيل: 5/413].
عليه؛ فالأبُ أولَى بحضانةِ ابنتهِ في هذه الحالة، ويجب عليه أخذها معه، ولا يتركها عرضة لتغيير دينها، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
عبد الرحمن بن حسين قدوع
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
11/جمادى الآخرة/1446هـ
08/ديسمبر/2024م