ما هي الطريقة الشرعية الجائزة لتحويل الأموال؟
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5906)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
عند تحويل الأموال عن طريق المكتب بعملتين مختلفتين، إلى خارج ليبيا -كتونس مثلا- يتأخر التحويل من ساعة إلى ثلاث ساعات، وفي حالة التحويل عن طريق المصرف، يتأخر “السويفت” من يوم إلى يومين، علمًا أنه عند عملية التحويل بعملة مختلفة، يصدر إيصال مكتوب فيه القيمة بالعملة الليبية، والقيمة المقابلة لها بالعملة الأخرى في البلد الآخر.
فنأمل منكم بيان حكم هذا التأخير، وما هي الطريقة الشرعية المباحة لتحويل الأموال، سواء بعملة مختلفة أو بعملة واحدة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإن هذه الحوالات إذا تمت بعملتين مختلفتين هي من قبيل الصرف، وهي جائزة بأي قيمة يتفق عليها الطرفان، فيجوز لمن يقوم بالتحويل أن يجعل مثل هذا التحويل مصدرا للتربح؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (فَإِذَا اخْتَلَفَتْ هَذِهِ الْأَصْنَافُ، فَبِيعُوا كَيْفَ شِئْتُمْ، إِذَا كَانَ يَدًا بِيَدٍ) [مسلم: 1587].
لكن شرط صحة التعاقد عليها أن يتم التقابض من الطرفين في مجلس العقد دون تأخير.
فلا يجوز لأحد أن يعطي عملة في بلد؛ ليأخذ عنها عملة أخرى في بلد آخر، مع التأخير في القبض، علمًا بأن القيد المصرفي يعد قبضا حكميا مأذونا فيه وإن تأخر القبض الفعلي بعد ذلك، ففي قرار مجمع الفقه الإسلامي التابع لمنظمة التعاون، في دورة مؤتمره السادس بجدة، من 17-23 شعبان 1410هـ، الموافق: 14-20 آذار (مارس) 1990م: “من صور القبض الحكمي المعتبرة شرعًا وعُرفًا: 1- القيد المصرفي لمبلغ من المال في حساب العميل في الحالات التالية … ج- إذا اقتطع المصرف -بأمر العميل- مبلغا من حساب له إلى حساب آخر بعملة أخرى، في المصرف نفسه أو غيره، لصالح العميل أو لمستفيد آخر … ويغتفر تأخير القيد المصرفي بالصورة التي يتمكن المستفيد بها من التسلم الفعلي، للمدد المتعارف عليها في أسواق التعامل”.
والقبض المعتدّ به عن طريق القيد في السجلات خاصٌّ بالتحويل عن طريق المصارف؛ لأنّها مؤسسات ثابتة مستقرّة قيودها مأمونة، وأموالها مضمونة، بخلاف التحويل عن طريق المكاتب الخاصة، فلا يتم القبض فيه بمجرد التقييد في الدفاتر أو إعطاء إيصال بالقيمة المدفوعة، بل لا بد أن يتم التقابض بأحد وجهين:
إما بأن يكون لصاحب المال وكيل في البلد الآخر، يقبض العملة الأجنبية في مجلس العقد الذي تم فيه دفع العملة المحلية.
وإما أن يقوم مكتب التحويل الذي قبض العملة المحلية في المجلس بإعطاء أمرٍ وقت القبض، تخصم بموجَبه العملة المقابلة من حسابه على الفور، لصالح حساب الطرف الآخر المراد تحويل المال إليه، بحيث يكون هذا الخصم نهائيا، لا يمكن الرجوع فيه.
وعند التحويل بنفس العملة لا يشترط التقابض في المجلس؛ لأنه ليس من قبيل المبادلة بل من السفتجة، وهي قرضٌ، وإنما تشترط حينئذ المماثلة، فلا يأخذ المكتب عمولة على التحويل زائدة عن التكلفة الفعلية التي تتطلبها إجراءات عملية التحويل، فلا يجوز للمكتب أن يجعل التحويل بنفس العملة مصدرا للتربح، كما نص عليه قرار مجلس البحوث رقم (05) لسنة 1446هـ.
والتشديد على التقابض في المجلس في عقود الصرافة ظهرت حكمته جلية في العصر الحديث، في أسواق المال؛ حيث إن التأخير فيه لدقائق تترتب عليه فروق قد تصل إلى الملايين، الأمر الذي يفتح بابًا واسعًا للتحايل أو النزاعات، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
حسن بن سالم الشريف
عبد الرحمن بن حسين قدوع
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
20/رجب/1446هـ
20/يناير/2025م