بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5929)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أنا (ح)، متزوج ولدي خمسة أبناء، أعاني من عصبية شديدة تأتيني، وقد أقدم على فعل أشياء لا أعلمها حينها، وكنت ذات يوم في حالة غضب شديد، حتى أنّي لا أعي معه ما أقول، فتلفظت بالطلاق، ولم أعلم بذلك إلا بعدما هدأتُ وأخبروني بذلك، فما حكم الطلاق في هذه الحال؟ مع العلم أنّي قد طلقتها مرتين قبل ذلك.
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ العقلَ هو مناطُ التكليفِ والمؤاخذةِ بالأقوالِ والأفعال، فإذا كان المطلِّقُ يعِي ما يقول، ويقصدُ ما تكلمَ به؛ فالطلاق واقعٌ، وأما إن كان المطلقُ شديدَ الغضب وقتَ الطلاق، إلى درجةٍ لا يعِي فيها ما يقولُ، ولا يشعرُ بما صدرَ منه؛ فالطلاقُ لا يقعُ؛ لأنه صارَ في حكم المجنونِ فاقدِ العقل؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَنْ ثَلَاثَةٍ: عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ الْمَجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ) [الترمذي: 142]، وقال الصاوي رحمه الله: “يَلْزَمُ طَلَاقُ الْغَضْبَانِ، وَلَوِ اشْتَدَّ غَضَبُهُ… وَكُلُّ هَذَا مَا لَمْ يَغِبْ عَقْلُهُ، بِحَيْثُ لَا يَشْعُرُ بِمَا صَدَرَ مِنْهُ، فَإِنَّهُ كَالْمَجْنُونِ” [حاشية الصاوي: 1/449].
عليه؛ فإنْ كانَ الحالُ ما ذكر، والزوجُ وقت وقوعِ الطلاقِ غير مالكٍ لأمرِ نفسه، بأنْ كانَ غير مدركٍ لما يقول بسبب شدة الغضب؛ فلا يلزمُه الطلاق، وليعلمِ الزوُج أن وقوعَ الطلاق عليه من عدمهِ متوقفٌ على صدقِ ما أخبرَ به، مِن عدمِ إدراكه لما وقعَ منه مِن التلفظِ بالطلاقِ، أمَّا إن كان مدركًا لما وقَع منه من الطلاقِ؛ فإنّ هذه الفتوى لا تفيدُه؛ لأنها بُنيتْ على إخباره بعدمِ إدراكه، فإذا كانَ الواقعُ غيرَ ذلك، وكان مدركًا؛ فالطلاقُ لازمٌ له، والفتوَى لا تصلحُ له، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد ِالرحمن بن حسين قدوع
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
19//شعبان//1446هـ
18//فبراير//2025م