حكم تقاضي الموظفين في الدولة مرتباتهم دون عملٍ
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5946)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
يشيعُ لدى كثيرٍ من الناس أنَّ المرتباتِ التي تصرفُها الدولة لموظفي الجهاتِ العامة هي نصيبُهم من ثروة البلاد، فيحقّ للموظف أخذ المرتبِ ولو لم يؤدِّ العمل المنوطَ به، ومنهم من يتحجج بأن المرتبات ضعيفة جدًّا، وهي أقرب إلى الإعانة منها إلى الأجور الفعلية، ويوجد صنف من الموظفين يتقاضون مرتباتهم دون أن يكلفوا بمهام، ويتحججون أيضًا بأنّ جهاتِ أعمالِهم غيرُ مهيأة لاستيعابهم، ومنهم من يبررُ أخذ مرتبه دونَ عملٍ بالفسادِ المستشري في مؤسساتِ الدولة.
والسؤال: ما حكم تقاضي المرتبات دون عملٍ في الأحوال السابقة؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالوظيفة عقد بين الدولة والموظف، التزم الموظف في هذا العقد بأداء عمل محدّد لمدة محددة، والتزمت فيه الدولة بإعطاء الأجرة عليه، والواجب على الطرفين الوفاء بما تعاقدا عليه، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ۚ)، فالمرتب الذي يتقاضاه الموظفون من أيّ مؤسسة هو أجرةٌ على عملٍ، وأخذُ المرتب دون وجود عمل يقابله هو مِن أكل المال بالباطل، وهو محرمٌ بنص القرآن، قال الله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ) [النساء:29].
فالواجب على الموظف أن يؤديَ عمله الذي كلف به، دون تقصير أو تفريط، وأن يحذر مِن أخذ المال بغير حق، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (واللهِ لا يأخذُ أحدٌ منكم شيئًا بغيرِ حقِّه إلا لقيَ اللهَ يحملُه يومَ القيامة) [البخاري:6979]، وقال صلى الله عليه وسلم: (وإنّ هذا المال خضِرةٌ حلوة… وإنه مَن يأخذه بغيرِ حقّه كالذي يأكل ولا يشبعُ، ويكون شهيدًا عليه يوم القيامة) [البخاري:1465]، وقال صلى الله عليه وسلم: (إن رجالا يتخوَّضون في مال الله بغير حق، فلهم النار يوم القيامة) [البخاري:3746].
وتتأكد الحرمةُ ويعظم الإثم إذا كان المال عامًّا؛ لكثرة الحقوق المتعلقة به، وتعدُّد الذِّمَمِ المالكةِ له؛ فقد أنزله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه منزلةَ مال اليتيم، الذي تجب رعايتُه وتنميتُه، ويحرم أخذه والتَّفريط فيه [مصنف ابن أبي شيبة:32914]، وأكلُه من أكل النار قال الله تعالى: (إِنَّ الذِينَ يَأْكُلُونَ أَمْوَالَ الْيَتَامَى ظُلْمًا إِنَّمَا يَأْكُلُونَ فِي بُطُونِهِمْ نَارًا وَسَيَصْلَوْنَ سَعِيرًا) [النساء:10].
فهذه المرتبات هي أجرة على العمل، وليست نصيبًا للفرد من الثروة، فلو كان كذلك لصرفت له دون أن يكلف بعمل، كما هو الحال في المنح التي تصرفها الدولة لبعض شرائح المجتمع، كمنحة الزوجة وغيرها.
ولا يفيد التحجج بالفساد الواقع في مؤسسات الدولة بأحقية مَن لا يؤدي عمله في أخذ المرتب؛ لأن المسلم مأمور باتباع أوامر الله في خاصة نفسه، ولو فسد الناس، وعليه إنكار المنكر على مَن يفعله ويتلبس به بما يقدر عليه، لا أن يجعل الفساد ذريعة وسببًا لإفساد ذمته وأكل المال بالباطل.
أما فيما يتعلق بالموظفين الذين يتقاضون مرتبات دون أن يكلفوا بأعمال، ولا توجد أماكن لاستيعابهم؛ فإنه يجوز لهم أخذ المرتب، بالشروط الآتية:
1- أن يكون عدم دوامه بناءً على طلب مسؤولي الجهة التابع لها.
2- أن يكون هذا المسؤول مخولا قانونًا بذلك.
3- أن يتردد العامل أو الموظف على جهة العمل، طالبا تمكينه من العمل على الدوام.
4- أن يكون مفرّغا نفسه من أي عمل آخر في أوقات الدوام المكلف بها، ومتأهبًا للحضور، بحيث متى طُلِب لَبـَّى وحضر دون تأخير.
5- أن يكون قادرا على أداء العمل.
فمن توفرت فيه هذه الشروط، فلا حرج عليه في أخذ المرتب، وأما من لم تتحقق فيه الشروط المذكورة فلا يحلّ له أخذ المرتب، ومن أخذ شيئا من المرتبات بغير وجه حقّ؛ لعدم مداومته، أو لمخالفته للشروط السابقة، أو لأنّ له عملًا آخر، فإنه يجب عليه رده إلى خزانة الدولة، قال صلى الله عليه وسلم: (على اليدِ ما أخذت حَتى تؤدِّيه) [أحمد:20086].
والواجب على المسؤولين عدم التسبب في هذه الإشكاليات، بمنع إصدار قرارات التعيين في الجهات التي ليست بحاجة إلى كادر وظيفي؛ لأن ذلك يؤدي إلى إهدار المال العام بدون مقابل، والمتسببون بإهدار المال العام، سواء بإصدار القرارات الخاطئة أو بالإتلاف والأخذ بغير وجه حقٍّ ضامنون للمال العامّ الذي أهدروه، ومسؤولون عليه شرعًا وقانونا، قال صلى الله عليه وسلم: (ألا فكلّكم راعٍ وكلكم مسؤولٌ عن رعيّته) [البخاري: 2416، مسلم: 4751]، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
أحمد بن ميلاد قدور
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
26// شعبان// 1446هـ
25//02// 2025م