بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5954)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
طلقتُ أنا: (م) زوجتي طلقةً واحدةً، ثاني يومٍ من أيام رمضان الماضي، ثم أرجعتُها في العدة، وبعد مدةٍ رفعتْ صوتها عليَّ، فغضِبْتُ غضبًا شديدًا، فاتصلتُ بأختها، وأخبرتُها أن أختها طالقٌ، ثم أرجعتُها كذلك في العدة، وبعد فترةٍ خرجتْ في نزهة مع أهلها، وتأخروا كثيرًا في الرجوع إلى البيت، وكنتُ في حالة سُكر، وأغضبني تأخرها، فاتصلتُ بها، وحدثتْ بيني وبينها مشادة كلامية، ثم تشاجرتُ بعد رجوعهم إلى البيت مع أختِها التي تقود السيارة، فتلَفَّظْتُ بالطلاق دون وعيٍ مني، فهل الطلاق واقعٌ؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ ما ابتُليَ بهِ السائل مِن شربِ الخمر، الذي أخرجَه من دائرة العقلاءِ، محرَّمٌ من كبائر الذنوب، حيثُ وضع نفسَه في موضعٍ يُغضِبَ اللهَ، فإن الله حرَّم الاعتداء على العقل، كما حرَّم الاعتداء على الدماء والأموال والأعراض، وشدَّدَ في شربِ الخمر الذي يذهب العقل، وجعلَهُ رجسًا مِن عملِ الشيطانِ.
والسائلُ لم يُبَالِ بهذا كله، ولم يَشْعُرْ بالندم، ولا بالخوفِ من الله تعالى؟ وكل ما أهمّه في الأمر وأقضَّ مضجعه، هو مجرّدُ سؤاله عن طلاق زوجته؛ هل وقعَ أم لا؟ كانَ الأجدرُ به أنْ يسألَ: كيفَ أصنعُ لأتوبَ إلى اللهِ من هذه المعصيةِ الكبيرةِ، ليقبلَ اللهُ توبتي، وما السبيلُ إلى ذلك؟ ويعبّرَ عن ندمه وخوفه من اللهِ، قبل أنْ يلقاهُ وهو غاضبٌ عليه، هذا هو الذي كان على السائل أن يفعلهُ، قبل أن يسألَ عن طلاقِ زوجته، أصلحَ اللهُ أمره.
أمَّا فيما يتعلَّقُ بوقوع الطلاقِ من عدمِه؛ فإنَّ العقل هو مَناطُ التّكليفِ والمؤاخذةِ بالأقوالِ والأفعال، فإذا كان المطلِّقُ يعِي ما يقول وقت التلفظ بالطلاق، ويقصدُ ما يتكلَّـمُ به؛ فالطلاق واقعٌ، وأمّا إذا غابَ عقلُه فلم يدركْ أو يعلمْ ما صدرَ منه، وطلّقَ في هذه الحالة، فلا يقع طلاقُهُ، ولا شيءَ عليه؛ لأنَّه صار في حكم المجنونِ، وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: (رُفِعَ الْقَلَمُ عَن ثَلَاثَةٍ؛ عَنِ النَّائِمِ حَتَّى يَسْتَيْقِظَ، وَعَنِ الصَّغِيرِ حَتَّى يَكْبَرَ، وَعَنِ المجْنُونِ حَتَّى يَعْقِلَ أَوْ يُفِيقَ) [أَبُو دَاود: 4398]، وفي المدوّنة: “قَالَ يَحْيَى بنُ سَعِيد رحمه الله: مَا نَعْلَمُ عَلَى مَجْنُونٍ طَلَاقًا فِي جُنُونِهِ، وَلاَ مَرِيضٍ مَغْمُورٍ لاَ يَعْقِلُ، إِلاَّ أَنَّ المجْنُونَ إِذَا كَانَ يَصِحُّ مِن ذَلِكَ، وَيُرَدُّ إِلَيْهِ عَقْلُهُ، فَإِنَّهُ إِذَا عَقلَ وَصَحَّ جَازَ أَمْرُهُ كُلّهُ، كَمَا يَجُوزُ عَلَى الصَّحِيحِ” [المدونة: 84/2].
عليه؛ فيُسأل الزوج كيف عرف بنفسه أنه طلق، فإن كان أدرك ذلك من نفسه بعد التلفظ بالطلاق، فقد لزمه الطلاق، وإنْ لم يدرك أنّه طلق حتى أخبره من كان حاضرا في المجلس، وقال له أنت قد طلقت ففي هذه الحالة لا يلزمه الطلاق. والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد الرحمن بن حسين قدوع
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
09//رمضان//1446هـ
09//مارس//2025م