بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5957)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
كنتُ أعملُ في تجارة العملة في سوقِ المشير، ثم تراكمتْ عليّ ديون كبيرة، عجزت عن سدادها، حتى حوكِمتُ وسجنتُ مدة، والآنَ أسعى لسدادِ ما عليّ من ديون، وقد تركتُ مجال الصرافةِ، بعد أن تبيّنَ لي أنّ معظم تعاملاتي كانتْ ربوية، فما حكمُ أخذي من مالِ الزكاةِ لإعانتي؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالواجبُ على المسلم أن يتحرَّى الحلال في الكسبِ، ويحرصَ على الابتعاد عن طرق الكسبِ المشبوهة والمحرمة، فإنَّ الله تبارك وتعالى قد توعدَ الرّبَا بالمحقِ؛ قال الله تعالى: ﴿يَمْحَقُ اللهُ الرِّبَا وَيُرْبِي الصَّدَقَاتِ﴾ [البقرة: 275]، فإن كان الأمرُ كما ذكر، فعلى السائل أن يتوبَ إلى الله ويندمَ، ولا يعودَ إلى مثل هذه التعاملات الربوية ولا إلى غيرها من المعاصي، فإنّ الله تعالى يقول: ﴿وَمَنْ عَادَ فَأُوْلَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ﴾ [البقرة: 274].
ومَن ترتّبَ عليه دَينٌ في معصية -كالتعامل بالربا- لا يجوز له أخذ الزكاة، إلَّا إذا تابَ، بندمه على ما بدرَ منه فيما فاتَ، وعزمه على عدم العودة، وصدقتْ توبته، قال القرطبي رحمه الله: “قوله تعالى: (وَالْغَارِمِينَ) هُمُ الَّذِينَ رَكِبَهُمُ الدَّيْنُ وَلاَ وَفَاءَ عِندَهُمْ بِهِ، وَلاَ خِلَافَ فِيهِ، الَّلهُمَّ إِلاَّ مَنْ ادَّانَ فِي سَفَاهَةٍ، فَإِنَّهُ لاَ يُعْطَى مِنْهَا، وَلاَ مِنْ غَيْرِهَا، إِلاَّ أَنْ يَتُوبَ” [تفسير القرطبي:8/183]، وقال اللخمي رحمه الله عند ذكر مصرف الغارمين: “وَالْغَارِمُ: مَنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ، فَيَجُوزُ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ مِنَ الزَّكَاةِ مَا يَقْضِيهِ مِنْهُ، وَذَلِكَ بِأَرْبَعَةِ شُرُوطٍ: أَنْ لاَ يَكُونَ عِندَهُ مَا يَقْضِي مِنْهُ دَيْنَهُ، وَالدَّيْنُ لِآدَمِيٍّ، وَمِمَّا يُحْبَسُ فِيهِ، وَلاَ تَكُونُ تِلْكَ الْمُدَايَنَةُ فِي فَسَادٍ، فَإِنْ كَانَ الدَّيْنُ حَقًّا للهِ سُبْحَانَهُ – كَفَّارَةَ ظِهَارٍ أَوْ قَتْلٍ – لَمْ يُعْطَ ذَلِكَ، وَاخْتُلِفَ إِذَا تَدَايَنَ فِي فَسَادٍ، فَقِيلَ لاَ يُعْطَى مِنْهَا مَا يَقْضِي ذَلِكَ الدَّيْنَ، وَقاَلَ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الْحَكَمِ: إِذَا حَسُنَتْ حَالُهُ أُعْطِيَ؛ لِأَنَّهُ غَارِمٌ، وَقَدْ كَانَ لَهُ أَنْ يَصْرِفَ مَا تَسَلَّفَ فِيمَا يَجُوزُ، وَهْوَ دَيْنٌ يَلْزَمُ ذِمَّتَهُ وَيُحاصُّ بِهِ الْغُرَمَاءُ” [التبصرة: 3/978].
وعليه؛ فلا يجوز للسائل الأخذ من الزكاة لسداد دينه إلا إذا تاب وصدقت توبته، بعد أن يكون باع كل ما يملكه غير بيت سكناه، ولم يوف كل ذلك بما عليه من الديون. والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عبد العالي بن امحمد الجمل
حسن بن سالم الشريف
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
09//رمضان//1446هـ
09//مارس//2025م