طلب فتوى
الفتاوىالمواريث والوصايا

الإيصاء بجميع المال، وحرمان الورثة

بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ

رقم الفتوى (3006)

 

ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:

إذا أوصى شخص في مرض موته بجميع ما يملك لغير ورثته، فهل يأثم بذلك؟ وهل يأثم من أشار عليه بذلك، ومَن وثّق الوصية؟ وهل يجوز رفع دعوى لرد الوصية بالكامل، إذا ثبت أن قصد الموصي حرمان الورثة؟ وهل يجوز للموصى له أن يقبل الوصية، إذا علم أن قصد الموصي حرمان الورثة؟

الجواب:

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.

أما بعد:

فإن الله تعالى قد جعل للمسلم الحق في الوصية بثلث ماله؛ ففي الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (إِنَّ اللَّهَ تَصَدَّقَ عَلَيْكُمْ، عِنْدَ وَفَاتِكُمْ، بِثُلُثِ أَمْوَالِكُمْ، زِيَادَةً لَكُمْ فِي أَعْمَالِكُمْ) [ابن ماجه:2709]، ولا يجوز له الوصية بأكثر من الثلث؛ لقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد بن أبي وقاص رضي الله عنه، وقد أراد أن يوصي بماله كله: (الثلث، والثلث كثير) [البخاري:2742، مسلم:1628]، ويرد ما زاد على الثلث إلا إذا أجازه الورثة؛ فعن عمران بن حصين رضي الله عنه: (أن رجلا أعتق ستة مملوكين له عند موته، لم يكن له مال غيرهم، فدعا بهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، فجزأهم أثلاثا، ثم أقرع بينهم، فأعتق اثنين، وأرَقّ أربعة، وقال له قولا شديدًا) [مسلم:1668]، والوصية بما زاد على الثلث من الإضرار، وقد نهى الله تعالى عن الإضرار في الوصية؛ فقال تعالى: (مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصَى بِهَا أَوْ دَيْنٍ غَيْرَ مُضَآرٍّ وَصِيَّةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَلِيمٌ) [النساء:12]، قال القرطبي رحمه الله: “قوله تعالى: (غير مضار)… أي يوصي بها غير مضار، أي غير مدخل الضرر على الورثة… فالإضرار راجع إلى الوصية والدين، أما رجوعه إلى الوصية فبأن يزيد على الثلث أو يوصي لوارث” [تفسير القرطبي:80/5].

وعليه؛ فيأثم من أوصى بأكثر من الثلث قاصدا الإضرار بالورثة، وكذا من أعانه وأشار عليه، ومن وثق الوصية إن كانوا عالمين بقصد الإضرار؛ لقول الله تعالى: (وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة:2]، ولا يجوز للورثة رد الوصية كلها ولو ثبت قصد الموصي الإضرار؛ لأن الإيصاء بالثلث مأذون فيه، والمأذون فيه بالشرع لا يكون ضارا؛ قال القرطبي رحمه الله: “مشهور مذهب مالك وابن القاسم أن الموصي لا يعد فعله مضارة في ثلثه، لأن ذلك حقه فله التصرف فيه كيف شاء” [تفسيره:81/5]، فإذا جاز للموصي التصرف في ثلثه وإن قصد الإضرار جاز للموصى له قبول الوصية من باب أولى، والله أعلم.

وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم

 

 

 

 

لجنة الفتوى بدار الإفتاء:

أحمد محمد الكوحة

أحمد ميلاد قدور

 

الصادق بن عبد الرحمن الغرياني

مفتي عام ليبيا

13/شوال/1437هـ

18/يوليو/2016م

الوسوم
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى
إغلاق