حكم ضرائب المرتبات واستقطاعات الضمان الاجتماعي
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (5988)
ورد إلى دار الإفتاء الليبية السؤال التالي:
أعمل في مكتب محاسبة، وتطلب منا بعض الشركات إعداد التقارير المالية التي تُقدَّم سنويًّا إلى مصلحة الضرائب، بحيث تتضمَّن بيانات تظهر الأرباح ورواتب الموظفين بِقِيَمٍ أقلَّ من الواقع، وذلك لتقليل الضرائب المستحقة، سواء كانت ضريبة الدخل أو ضريبة المرتبات، أو الاستقطاعات الخاصة بالضمان الاجتماعي.
وقد اطّلعت على فتوى لدار الإفتاء (رقم 4728) تُجيز التهرب من الضرائب التي تُفرض دون مقابل خدمات؛ حفظًا لحرمة المال ودفعًا للضرر.
فهل تُعتبر ضرائب المرتبات واستقطاعات الضمان الاجتماعي من هذا القبيل، ويجوز التهرب منها؟ وما حكم قيامنا -نحن المحاسبين- بإعداد هذه التقارير؛ بناءً على طلب الشركات؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فالضرائب التي تؤخذ من غير مقابلِ خدماتٍ -كضريبة الدخل وضريبة المرتبات- لا يجوز استقطاعها جبرًا في الأحوال الاعتياديةِ؛ لأنها مِن المكس، ومِن أكل المالِ بالباطل، والله تعالى يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُم بَيْنَكُم بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَن تَكُونَ تِجَارَةً عَن تَرَاضٍ مِّنكُمْ) [النساء: 29]، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (لا يحلُّ مالُ امرئٍ مسلمٍ إلا بطيبِ نفسٍ منه) [البيهقي: 11545]، وقال عياض رحمه الله: “وَقَوْلُهُ: (لَقَد تَابَتْ تَوْبَةً لَوْ تَابَهَا َصَاحِبُ مَكْسٍ لَغُفِرَ لَهُ): فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى عَظِيمِ ذَنْبِ صَاحِبِ الْمَكْسِ، وَذَلِكَ لِكَثْرَةِ تِبَاعَاتِ النَّاسِ عَلَيْهِ وَظُلَامَتِهِمْ قِبَلَهُ، وَأَخْذِهِ أَمْوَالَهُمْ بِغَيْرِ حَقِّهَا، وَسَنِّ سُنَّةٍ سَيِّئَةٍ مُسْتَمِرَّةٍ اسْتِمْرَارَ الْحُقُوقِ” [إكمال المعلم: 5/522]، فهذه الضرائب يجوز التهربُ منها؛ لأن ذلك مِن بابِ رفعِ الظلم ودفعِ الضرر وحفظ المال، الذي هو إِحدَى الضروريات الخمْس التي جاءت الشريعة بحفظها، قال الدردير رحمه الله عند قوله (وَيَحْرُمُ الْكَذِبُ): “اعْلَمْ أَنَّهُ تَعْتَرِيهِ الْأَحْكَامُ، فَيَكُونُ وَاجِبًا لِإِنْقَاذِ نَفْسٍ مَعْصُومَةٍ أَوْ مَالٍ مَعْصُومٍ مِنْ ظَالِمٍ” [الشرح الصغير: 2/524].
وأما الاستقطاعات الضمانية فالاشتراك فيها – سواء أكان إجباريًّا، أو اختياريًّا – هو في حقيقته التزامٌ بمالٍ، ومن التزم شيئًا لزمه في آجاله المحددة، فهو نظام مبني على عقد العمل المبرم مع الدولة، الذي ارتضاه الموظف بناءً على طلبه الوظيفة، أو الشركةُ عند حصولها على الترخيص، وذلك ليشارك بهذا الجزء في التأمين والضمان التكافلي، الذي يستفيد منه المشتركُ -سواء كان موظفا أو صاحبَ شركة- أو أسرتُه في آخر الأمر.
عليه؛ فلا يجوز مساعدة الشركات بإعداد التقارير للهروب من الاستقطاعات الضمانية، وهي تختلف عن ضريبة الدخل والمرتبات؛ لكونها من المَكسِ المحرم، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
لجنة الفتوى بدار الإفتاء:
عصام بن علي الخمري
عبد الرحمن بن حسين قدوع
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
22/شوال/1446هـ
21/أبريل/2025م