إيذاء الجار بالأشجار ونحوها
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3062)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
أسكن بجوار مستشفى، وتوجد به أشجارٌ ضخمةٌ جدًّا، لا تبعدُ عن بيتي أكثر مِن مترٍ، مما أدّى إلى حجبِ ضوء الشمسِ والهواءِ عن البيت، ويزدادُ الأمرُ سوءًا عند انقطاعِ الكهرباءِ، فما حكم ذلك؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فقد أوصى الإسلام بالجار، وحث على الإحسان إليه، وحرّم إيذاءه والإضرار به أشدَّ التحريم؛ قال تعالى: (وَاعْبُدُوا اللَّهَ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا وَبِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَالْجَارِ ذِي الْقُرْبَى وَالْجَارِ الْجُنُبِ) [النساء:36]، وفي الصحيحين أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (ما زالَ جبريلُ يوصِيني بالجارِ حتّى ظَنَنتُ أنّه سَيُورِّثُه) [البخاري:6014،مسلم:2625]، وفيهما أيضًا قول النبي صلى الله عليه وسلم: (مَنْ كانَ يؤمنُ بالله واليومِ الآخرِ فلا يؤذِ جارَه) [البخاري:6018،مسلم:75].
وما ذكره السائل من تضرره بالأشجار المانعةِ للهواءِ وضوءِ الشمس عن بيته، مما ينبغي على جارهِ – وإن كان جهةً اعتباريةً – أن يصلحَه، وأنْ يحسن الجوار بتهذيب هذه الأشجارِ تهذيبًا يزيلُ ما لحقَ بجارِهِ مِن ضَررٍ، وقدْ قالَ رسولُ اللهِ صلى اللهُ عليه وسلم: (لَا ضَررَ ولا ضِرارَ) [الموطّأ:2758]، وقال ابن أبي زيد القيروانيّ رحمه الله: “ولا ضررَ ولا ضرار، فلا يفعل ما يضر بجاره من فتح كوة قريبة يكشف جاره منها، أو فتح باب قبالة بابه، أو حفر ما يضر بجاره في حفره، وإن كان في ملكه) [الرسالة:135]، وفي المعيار المعرب أنّ فقهاء قرطبةَ سُئلوا عن مسألةٍ فيها ضررٌ؛ فافتتحوا جوابَهم بقولهم: “لو لم يكن في هذا غير قولِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا ضرَرَ ولا ضِرَارَ) لكان قولًا شافيًا كافيًا، مغنيًا عن كلّ قولٍ، موجبًا لقطع الضرر“ [43/9]، وفيه أيضًا: “وسُئل بعضهم عن الذي يغرسُ شجرة في دارهِ فتطولُ حتى تشرفَ على دارِ جاره؟ فأجاب: يقطعُ من ذلك ما يضر بجارهِ فوقَ الأرضِ وتحت الأرضِ، إذا انتشَرتْ وأضرَّت بجارِه” [48/9]، واللهُ أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
مفتي عام ليبيا
25/ذو الحجة/1437هـ
27/سبتمبر/2016م