خِذلانُ أهلِ قنفودة
بسم الله الرحمن الرحيم
خِذلانُ أهلِ قنفودة
خذلانُ الحكومةِ الأمميةِ في طرابلسَ لأهلِ قنفودة، يدلُّ على أنّهم وحفتر شيءٌ واحدٌ، وإن حاولَ البعضُ أن يفرقَ بينَهما، فَلَو كانت هذه الحكومةُ غيرَ راضيةٍ عمّا يقوم به حفتر؛ مِن عسكرةِ الدولةِ، وقتلِ المدنيين في قنفودة، واستهدافِ الثوار في بنغازي، والاستعانة في ذلك بقواتٍ أجنبية غازيةٍ – لمَا سكتتْ على التفريطِ في السيادة الوطنيةِ حتى لو لم تكن تتفقُ مع الثوارِ في بنغازي؛ لأنّ السيادة الوطنية حقّ لترابِ الوطن، وهو مقدسٌ عند الناسِ كافة، بَرّهم وفاجرِهم، بغضِّ النظرِ عن انتماءاتِهم.
لا عذر لهم في السكوت، حتى في حالةِ العجز عن ردّ من يستبيحُ الأوطانَ ومدافعته، هناك الشجبُ والإدانةُ والاستنكارُ، واستعمالُ الوسائلِ السلمية الأخرى المتاحة لخدمة قضيتهم .
ليس لسكوتِ حكومةِ الصخيرات على الطائراتِ الغازية، التي تقصفُ بنغازي وأطفالَ قنفودة كلّ يوم، مِن تفسير سوَى أنّها متورطةٌ مع حفتر في هذا التحالف الآثم، وأنّ مشروعَها ومشروعَ حفتر في ليبيا هوَ مشروعٌ واحدٌ.
ربما الفرقُ الوحيدُ بينهما أنّ حفتر لا يعبأُ بهم ولا بالاتفاقِ المزعومِ، ولا يحسِبُ حسابًا للمبعوثِ الأمميِّ، ويتكلم كمَا يشاء؛ لأنّه المدلّل لديهم والمُنَصّب من جهتهم خليفةً للقذافِي، أمّا هذه الحكومةُ فلا تملكُ مِن أمرِها شيئًا، لا تتكلمُ إذا لَم يأذن لها المبعوثُ بالكلام.
لا هي ولا المبعوث تسمح بكلمة تجرح مشاعر حفتر، حتى بيان الملتقى السادس للجيش الليبي الصادر بطرابلس، حرفته الحكومة على صفحتها، وحذفت منه إدانة الجيش لحفتر وانقلابه، وقالت: لا صحة للإشاعات التي تذكر حفتر في البيان، مع أن البيان منشور بالصوت والصورة ومتداول يصف حفتر بأنه مجرم حرب، فبربكم، ماذا يسمى هذا، ولمصلحة مَنْ؟!
المؤمَّلُ مِن أهل ليبيا جميعا، ومن أهلِ بنغازي بخاصةٍ، شِيبًا وشبابًا، حاضرةً وباديةً، على مختلفِ انتماءاتِهم وقبائِلهم، أن يشعرُوا بخطورةِ ما يُحاكُ مِن غدرٍ بوطنهم.
كيف يا أهل بنغازي تضعون أيديَكم في يد من يتحالف مع الغزاةِ على قتل أبنائكم ونسائكم، بل على قتلِ أنفسِكم؟ (ثُمَّ أَنتُمْ هَٰؤُلَاءِ تَقْتُلُونَ أَنفُسَكُمْ وَتُخْرِجُونَ فَرِيقًا مِّنكُم مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِم بِالْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ(!
أينَ حرمة الوطنِ؟ أين حُرمة الجوار؟! أينَ حرمةُ المصاهرةِ والرحمِ؟!
أخلاقُ الإسلامِ، بل أقول أخلاق البادية، التي تربي أبناءُها على الشهامة والنجدة والمروءة، والذودِ عن الحِياض، والذبِّ عن الحرماتِ، ونصرة المظلوم؛ لا تسمحُ بالتخلّي عن حرمات نسائِكم في قنفودة، وفي بنغازي ودرنة، إنّ قصفَ تحالفِ حفتر مع الغزاةِ يمزقُهم أشلاءً، إنهم يستغيثونَ وأهلُهم في بنغازي يتفرجونَ!
لا؛ ليس هذا مِن أخلاق أحفاد المختار، وأبناء المجاهدين، لابدَّ أن تنتصروا للضعفاء، وأن تتخلوا عن الظالمِ، وتنزعوا أيديَكم مِنْه، ومِن حكمِ العسكرِ الظلومِ الغشومِ، فإنّ النبيّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّم يقول: (انْصُرْ أَخَاكَ ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا، قالوا: ننصره إذا كان مظلوما، فكيف ننصره إذا كان ظالما؟ قال: تمنعونه من الظلم).
التحالف الآثم بين حفتر والغزاة، لن يتوقفَ عن قتلِ أولادِكم وتدمير مدنكم باسمِ الإرهاب، أو الإخوان، أو باسم أكذوبة الجيش الوطني، لن يتوقف؛ كما قلتُ وأكرر، ولو عبدَ أهلُ ليبيا الأصنام، وما يُفعلُ بمدينة حلب المجاهدة، دون شفقة ولا رحمة، باسم الإرهاب، لخير دليلٍ يبصرُه العميان.
قارنوا يا أهلَ العقولِ والحِجَى، مهما اختلفت رُؤَاكم، بينَ قتال الأوفياء لوطنهم المجاهدينَ للخوارج في سرت ودرنة وصبراتة، والتخلصِ منهم في وقتٍ قياسي، على الرغمِ مِن قلة الإمكاناتِ، مع حفاظهم على أرواح النّاس وممتلكاتهم وحرماتهم في تلك المدنِ، قارِنوا هذا بالله عليكم – وأنصفوا ولا تظلموا أنفسكم وأمتكم – مع ما يفعلُه حفتر وطائرات الغزاة معه في بنغازي، على مدى أكثر مِن عامين، كم هجَّرَ؟ وكم قتلَ؟ وكم دمّر؟ وهل رأيتموه قتلَ سوى الأخيارِ منكم، أهل المساجد والقرآن، الذين يأمرونَ بالقسط مِن الناس؟!
يا أهل ليبيا، حقيقة شرعية وتاريخية، علينا أن نعيها جميعا: مَن ينتصر للظالم فهوَ ظالمٌ؛ لأن الله تعالى يقول: (وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ) ومن يعين الظالم يسلطه الله عليهِ، وتدورُ على كليهما الدوائرُ، لأن الله تعالى يقول: (وَكَذَلِكَ نُوَلِّي بَعْضَ الظَّالِمِينَ بَعْضًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ)…
ولنا في التاريخ عبرة، وفي القرآن خير واعظ وذكرى، فهلْ مِن مُدّكِر؟!
الصادق بن عبد الرحمن الغرياني
20 محرم 1438 هـ
21 أكتوبر 2016 م