هبة دون حيازة
بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
رقم الفتوى (3086)
ورد إلى دار الإفتاء السؤال التالي:
تنازلَ شخصٌ لابنته الوحيدة عن كل ما يؤول إليه مِن ميراث والدَيه المتوفيين، وكان هذا التنازل بتاريخ: 2010/06/06م، ثم بعد ذلك قام بكتابة وثيقة في نفس العام، بتاريخ: 2010/08/09م، يقرّ فيها مجددًا بأنه تنازل لابنته عما ذُكر، لكن اختلفت الصيغة، حيث ذكر لفظ الهبة بدل التنازل، فوهبَ جميع ما آلَ إليه من ميراثِ أبوَيه لابنتهِ، وأشهدَ عليها، علمًا بأن البنتَ لم تقبضْ شيئا في حياة الواهبِ، فهل التنازل والهبة نافذانِ، ولا يدخل الموهوبُ في الميراث؟
الجواب:
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه ومن والاه.
أما بعد:
فإنّ هذا التنازل المذكور من قبيل الهبةِ، ومِن شروط الهبة أن يحوزَها الموهوب له في حياة الواهبِ، ويتصرفَ فيها تصرفَ المالكِ في ملكه، قال ابن أبي زيد القيرواني رحمه الله: “ولا تتم هبة ولا صدقة ولا حبس إلا بالحيازة، فإن ماتَ قبل أن تحازَ فهي ميراث” [الرسالة:117]، وقال ابن عرفة رحمه الله في تعريفِ الحوز: “رَفعُ تَصرُّفِ المعطِي فِي العطِيَّةِ بِصَرفِ التَّمَكُّنِ مِنْهُ لِلْمُعْطَى أَو نَائِبهِ” [شرح حدود ابن عرفة:366/2]، وقال أبو الحسن المنوفي الشاذلي رحمه الله: “الحيازة هي وضع اليد، والتصرف في الشيء المحوز كتصرف المالك في ملكه؛ بالبناء، والغرس، والهدم، وغيره من وجوه التصرف” [كفاية الطالب الرباني:482/2].
عليه؛ فإن هذا التصرف هبةٌ لم تتم، فتكون باطلة، ويرجع ما وهبه الأبُ لابنته ميراثًا للورثة الأحياء يومَ وفاةِ الواهب؛ لأن الموهوب لها لم تتم لها الحيازةُ الشرعية، والله أعلم.
وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم
غيث بن محمود الفاخـــري
نائب مفتي عام ليبيا
17/المحرم/1438هـ
18/أكتوبر/2016م